«صرح من خيال» قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

حمل عيسوي بين يديه وردة واحتضنها برقة وأدار الكاست على صوت فيروز وأغنية.. أنا لحبيبي وحبيبي إيلي .. فاليوم عيد ميلاد زميلته (شيرين) وهو ذاهب إلى منزلها حيث الحفل فقد دعته إليه اليوم بالكلية ولم يجد تعبيرا عن حبه ألا هذه الوردة الحمراء رمز الغرام والهيام وتخيلها وهي تأخذها منه وقد اعتلى الخجل وجنتيها وكساهما حُمرة أكثر إثارة من وردته ثم تميل عليه بقبلة لطيفة على خده قائلة

: ما أحلى هديتك الرقيقة...

وتأخذه من يديه ليتراقصا على أغنية رومانسية تصدح بالمكان ثم تعرفه على كل من في الحفل ...

(عيسوي رفيقي وصاحب عمري

..أرق من منحته لي الدنيا)

 

لم يستيقظ من أحلامه إلا إثر سقوط الوردة من بين يديه

التقطها وأعد نفسه للذهاب لموعده وكله سعادة ويكاد الشوق يستبد به

 اختار من ملابسه المعدودة الزي الذي التقاها أول مرة به حتى يفصح عن مدى اعتزازه بلحظات اللقاء الأول وأنه يعتز بكل شئ يربطه بها.. حتى العطر فضل أن يكون نفس الماركة العتيقة وكم تمنى أو توقع أن تفعل مثله حتى تكتمل الصورة أمام الجميع ويُعلَن الحب الصامت..

 

 استقل التاكسي وأخرج من بنطلونه ورقة عنوان منزلها الذي يوجد بإحدى المناطق السكنية الجديدة على أطراف المدينة.

وأملاه للسائق ومن بعدها استغرق في نفس حلم اليقظة محيطا الوردة بكلتي يديه

 

 نزل من التاكسي أمام منزلها الذي اكتشف أنه فيلا متوسطة المساحة بدورين مصممة بطراز عربي ومزدحم المكان أمامها بالعديد من السيارات الأكيد أنها لضيوف الاحتفال.

لم يكترث وشحذ همته ليقوي إحساسه بعزة النفس وأنه ليس أدنى ممن حضروا بسياراتهم الخاصة فالأهم عنده (شيرين)

 

 دخل الفيلا الصاخبة بموسيقى وأغاني أعياد الميلاد وتعج بالضحكات والأصوات المختلطة ما بين الفتيات والشباب منهم زملاؤه بالكلية وآخرون لا يعرفهم. ولمح (شيرين) وسطهم بعيونها اللامعة وابتسامتها المشرقة وقد زينت حفلتها كعادتها بفستان أحمر مزركش.. وإن كان يتمنى أن يراها بنفس ما كانت ترتديه في أول لقاءاتهما بالكلية.

 

 تزاحم عليها المهنئون وكل منهم يمنحها هديته التي تدل على ثمنها الباهظ من فخامة الغلاف الذي يكتنفها

حاول الوصول إليها واقترب فعلا ولكنه تراجع خطوات ولكنها رمقته بعينيها فأومأت برأسها له دونما كلمة واحدة ثم التفتت إلى الفتيات وأكملت رقصها.

 

أحس بغصة بقلبه ونظر إلى وردته التي يحتضنها ثم ذهب بعيدا..

 تنحي لآخر موقع في المكان ومازال ممسكا بوردته.. لم يستجب لمحاولات زملاؤه مشاركاتهم في الغناء والرقص...

 

وتحلق نظراته على (شيرين) وهي تتقافز كالفراشة وتنطلق كمُهرة جامحة تسلم على هذا وتتقبل هدية تلك وجاءت لحظة اطفاء شموع ( التورتة) التي حلم  أن يكون في تلك اللحظة بجوارها وعيونه بعيون( شيرين) ويده بيدها والجميع يطلقون (فلاشتهم )لتصوير المشهد الرومانسي بينهما.

 

لكنه تسلل خارجا من الأجواء الاحتفالية وقد سقطت وردته على الأرض دونما ينتبه أو لعله أحس بها وتغافل عنها وتركها تتهاوى

وأشار إلى تاكسي

:على فين يا أستاذ؟

:خدني على حارة العطاشى يا أسطى.

:دي فين يا أستاذ؟

:دي آخر قاع البلد

انطلق السائق وأدار الكاسيت وكانت أم كلثوم تصدح بالأطلال

( كان صرحا من خيال فهوى...)