«صورة حبلى» قصة قصيرة للكاتبة مارا أحمد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

 

   

هذه أنا أحمل طفلي الأول، تُظهر الصورة وهني رغم امتلائي وزيادة وزني الذي يشير إلى أن هناك من يشاركني جسدي، ليس فقط، بل يملي عليَّ رغباتي وما تلفظه نفسي، إنه يحدد لي موعد نومي وصحوي وشبعي، لم أعد حرة منذ دبت فيه الحياة هنا برحمي.

ومنذ متى وأنا حرة؟! ضل من ادعى كونه حرا، حتى جنيني المستوطن بطني منذ التقائي بأبيه تم تحديد جيناته التي يرثها من أبيه ومن أمه، بل هو عصارة جينات الأجداد؛ قد يرث لون عين جدته أو جده قد يخرج طويلا كما عمه، قد يكون عاطفيا مرهف الحس كما أمه، قد يكون عاشقا للسكريات كما أبيه أو قد تستهويه المخللات كما جده لأبيه، حتى تذوق الطعام نرثه عن آبائنا، فكيف سيكون حرا وهو قد خلق في تربة لم ينتقها، ومن هندسة وراثية طبيعية تم تحديد هويتها مسبقا؟!

وأنا تحركني غريزة الأمومة، أحببته بلا اختيار مني، حبه فطرة غرسها الإله بداخلي؛ حماية له وميكانيزم حتى تستمر السلالة وأحافظ عليه وأرعاه، حتى حبي له ليس اختياريا،

فكيف تعي الحيوانات قيمة الأمومة وتستميت دفاعا عن أبنائها وهي لا تعقل؟

نحن نتحرك وكأن هناك من يملي علينا اختياراتنا وتوجهاتنا، وكأنها مسرحية كتبت ووزعت الأدوار وكل يؤدي دوره ويجتهد في إبداعه، ولكن لا يجب أن يخرج  عن النص؛ آخر الأبحاث كما قال أحمد زويل تقول: إن الجينوم  أو DNAلا يحدد السمات الجسمية والنفسية فقط، بل أيضا يمكننا أن نتنبأ من خلاله بشخصية صاحبه أيضا.

أذكر الآن حركة ابني التي لا تهدأ داخل بطني؛ ففي لحظة أجده يتقلب لتبرز قدماه يمين بطني، ولحظة أخرى ألمس فراغا في نفس المكان؛ فهو قد تقلب لينتقل إلى الجهة اليسرى؛ هكذا كانت طباعه حين خرج إلى الحياة، كانت حركته لا تكف؛ أبحث عنه في كل مكان، لا يثبت وحتى حين صار شابا.

شخصيتنا تتشكل منذ لحظة التخلق داخل الرحم، كان ألم خروجه إلى الحياة لا يطاق وكأنني تحت آلة للتعذيب، خرج هو يتنفس وتنفست أنا بعد أن كف التعذيب، ثم أتلقى بطاقة هوية وورقة جديدة تضاف إلى ما احتواه درج مكتبي من أوراق، تلك الورقة إعلان لمهمة جديدة لي ألا وهي الأمومة، تتراص الأوراق في ملفات عديدة ،وتكتظ أدراج مكتبي بالأوراق والمهام،

وكان بينها شهادات ميلاد ،وشهادات تخرج أولادي ،وشهادة وفاة أبيهم وشهادات مرضية ،وصحية وجوزات سفر، هناك ورقة ما زالت غائبة ولا أعتقد أنني سأستلمها؛ سيستلمها أبنائي بعد أن تنتهي مهامي، لتتلخص حياتنا في مجموعة من الأوراق والصور التي تبهت بمرور الزمن وتختفي علامات وجودنا إلى أجل مسمى.