الضفة الغربية فى مرمى الخطرتصعيد عسكرى.. حصار اقتصادى.. واستهداف سياسى إسرائيلى

الضفة الغربية فى مرمى الخطرتصعيد عسكرى
الضفة الغربية فى مرمى الخطرتصعيد عسكرى

يخطئ من يظن أن العدوان الإسرائيلى على غزة الذى بدأ فى أعقاب عملية طوفان الأقصى قد استثنى الضفة الغربية. صحيح أن الممارسات اللاإنسانية التى يقوم بها هناك فى القطاع تجاوزت كل الحدود ولكن الضفة كان لها حظ من تلك الهجمات بصور مختلفة خاصة فى ظل خطة إسرائيلية جاهزة وقديمة تحت اسم «الحسم» تهدف إلى ضم الضفة سبق أن أقرتها الحكومة الإسرائيلية منذ سنوات بدعم وموافقة الرئيس السابق ترامب لحسم الصراع استراتيجيا وبتوافق مع عناصر اليمين المتطرف فى الحكومة ووزرائها مثل بن غفير وسموتريش عن طريق دفع الأوضاع إلى دوامة من العنف والفوضى التى يصعب السيطرة عليها.

مع تكريس سياسة تسليح المستوطنين فى الضفة والقدس ويصل عددهم إلى ٨٠٠ ألف والذى ساهم فى زيادة اعتداءاتهم على المواطنين ومنازلهم وممتلكاتهم ووفقا لمنظمة «يش دين» الإسرائيلية أن أعمال العنف التى ارتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين فى الضفة خلال العام الماضى سجلت رقما قياسيا وحددتها الأمم المتحدة أيضا بـ ١٢٢٥ اعتداء.


وكان العدوان الأخير فرصة لنتنياهو لتنفيذ خطته بشقيها تطهير عرقى شامل فى قطاع غزة من خلال حرب الإبادة المنظمة والشق الآخر فى الضفة باستمرار الاقتحامات بما فيها المدن المصنفة «ا» واستمرار سياسة الاعتقالات والاغتيالات وهدم المنازل وتجريف شوارع وأحياء فى المخيمات خصوصا فى جنين ونابلس وطولكرم وأريحا والمساس بالمسجد الأقصى ومختلف المقدسات الإسلامية والمسيحية على طريق ترسيخ التغيير الزمانى والمكانى للأقصى ومن ثم هدمه وبناء الهيكل بدلا منه مع تصعيد العدوان بكل أشكاله خصوصا فيما يخص زيادة وتكثيف الاستيطان بمعدلات غير مسبوقة والشروع فى التطهير العرقى حيث قامت سلطات الاحتلال بتهجير مئات العائلات ولاسيما من المناطق المصنفة «ج» مع استمرار سياسة الاعتداءات والاغتيالات فى الضفة منذ بداية العام وتجاوزت أعداد العام قبل الماضى التى كانت ١٧٠ فى الضفة ووصل عدد المعتقلين فى الضفة خلال مائة يوم من العدوان حوالى ٥٨٧٥. 


 وتكشف الأرقام عن أن أسبوع السابع من أكتوبر الماضى كان الأكثر دموية منذ ما يقارب من عشرين عاما فى الضفة الغربية والذى استمر بعدها استهداف مدن الضفة بالاقتحامات منها مدينة جنين على الرغم من مواقف السلطة الفلسطينية التى التزمت بأقصى درجات ضبط النفس تجاه ما يحدث فى قطاع غزة خاصة فى الأيام الأولى حيث اكتفت بإدانة استهداف المدنيين من الجانبين وصدر بيان رسمى باسم القيادة الفلسطينية بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطينى ثم جرى تعديله لاحقا بشطب كلمة حماس واستبداله بكلمة الفصائل وأن منظمة التحرير هى الممثل الشرعى مما يمثل رفع الغطاء السياسى وكأن السلطة طرف محايد ينتظر نتيجة المواجهة مما استحق إشادة علنية من وزير الخارجية الأمريكى بلينكن على قيامها بضبط الوضع فى الضفة.. ولم تتوان إسرائيل عن المضى فى سياساتها تجاه الضفة والقدس رغم الحديث عن قابليتها للانفجار وفقا لتقديرات الشاباك وقالت صحيفة هآرتس نقلا عن مسئولين أمنيين إن الوضع فى الضفة قابل للانفجار على خلفية أموال المقاصة المتجمدة ووقف دخول العمال الفلسطينيين إلى أماكن عملهم فى إسرائيل.


انتفاضة جديدة 
واتخذت الحرب عليهما ثلاثة مظاهر رئيسية وهى كالتالى: 
أولا: التصعيد العسكرى: دعونا نشير إلى أن المواجهات فى الضفة بين الجيش الإسرائيلى وسكان الضفة قديمة وليست وليدة عملية طوفان الأقصى خاصة أنها تحاول على الأرض القيام بمحاولة احتلال جديد لها من أجل تصفية القضية وكثيرا من العمليات هناك من فعل شباب ليس له انتماء سياسى ولا يعمل تحت راية فصيل بعينه وزادت فى الآونة الأخيرة الإجراءات العسكرية الإسرائيلية وسط مخاوف من انتفاضة جديدة حيث تعانى الضفة ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر من عمليات التصعيد واستهداف أهل الضفة والتى تعانى من إغلاق بشكل كامل وفرضت عليها حالة عزلة داخلية بعد حصار المدن والبلديات والقرى ببوابات حديدية وكتل أسمنتية وحواجز ترابية وشددت إجراءاتها على الحواجز العسكرية المغلقة طيلة الوقت والتى تحولت فى أوقات محددة إلى وسيلة إذلال للفلسطينيين المضطرين للعبور منها وقد كشفت تصريحات المسئولين الإسرائيليين عن مخططات الجيش لذلك ومنذ شهر تقريبا أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو أن إسرائيل مستعدة لاحتمال شن حرب ضد قوات الأمن التابعة للسلطة جاء ذلك فى مناقشة مغلقة جرت فى لجنة الشئون الخارجية والأمن القومى عندما سأله الأعضاء عن إمكانية حدوث سيناريو معاكس وتوجيه قوات السلطة بنادقها إلى الجيش الإسرائيلى قال« سيناريو الانقلاب مألوف لدينا وهو مطروح على الطاولة ونحن نناقشه ولا نريد أن نصل إلى وضع حيث إذا حدث ففى غضون دقائق قليلة سيكون هناك طائرات هليكوبتر فى الجو للرد» ويذكر فى هذا الشأن أن الاحتلال نفذ أكثر من ٤٠ غارة جوية فى الضفة منذ طوفان الأقصى بعضها بطائرات مسيرة كما قال وزير الدفاع الإسرائيلى غالانت إن بلاده تخوض حربا متعددة الجبهات حتى لو تركزت على غزة وعن الضفة قال: هناك محاولات كثيرة للقيام بعمليات ضد إسرائيليين يتم إحباطها من قبل الجيش وجهاز الأمن الشاباك ولعل نقل وحدة دوفان من غزة إلى الضفة الغربية دليل مضاف إلى إعداد الجيش لتطورات محتملة فى الضفة وهو لواء كومندوز من القوات الخاصة وشارك فى معارك صعبة فى قطاع غزة وفقد ١٠ بالمائة من مقاتليه بينهم ضباط هى الأكبر منذ إنشاء الوحدة


 حملة ضد السلطة 
ثانيا: الاستهداف السياسى: حيث تعرضت السلطة الفلسطينية إلى حملة غير مسبوقة على كافة الأصعدة ومن خلال تصريحات منشورة من كبار المسئولين الإسرائيليين نتنياهو مثلا تحدث عن غزة والقطاع وقال إن بلاده لن تسمح بإقامة حماستين -أى قطاع غزة- أى منطقة نفوذ حماس أو فتحستان -يقصد الضفة الغربية- وهو مقر السلطة وحزبها الرئيسى حركة فتح وفى التاسع عشر من نوفمبر الماضى أثناء مؤتمر صحفى قال نتنياهو «إن السلطة ليست مؤهلة بشكلها الحالى لحكم غزة واتهم محمود عباس بعدم إدانة هجوم حماس كما أن بعض وزرائه احتفلوا بالهجوم» أما وزراء اليمين الإسرائيلى المتطرف فحدث ولا حرج وزير المالية سموتريش اتهم وزير الخارجية الفلسطينى رياض المالكى بأنه يقوم بنشاطات ضد إسرائيل أمام محكمتى الجنايات والعدل الدوليتين لغرض محاسبة إسرائيل على جرائم حرب وقال«إن السلطة ليست الحل بل هى جزء كبير من المشكلة» موضحا أنه «لا يجب العودة إلى نفس الخطأ فى التفكير حتى لا تتعرض إسرائيل لما تعرضت لها» وأيده فى ذلك بن غفير «السلطة ليست بديلا لحماس فهى حليفة لها» أما سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد اودان قال فى كلمته أمام المنظمة الدولية «لا يوجد اختلاف بين حماس والسلطة الفلسطينية فى الايدلوجيا» وهو نفس ما ذهب إليه المستشار العسكرى السابق لنتنياهو مائير كليفى قال «إن السلطة الفلسطينية تحمل نفس الايدلوجية التى تؤمن بها حركة حماس فى قطاع غزة.


سرقة علنية
ثالثا: الحصار الاقتصادى: فمازالت السلطة الفلسطينية ترفض قبول تحويلات عائدات الضرائب الشهرية المستحقة لها مع إصرار تل ابيب على خصم مخصصات غزة وهذه الأموال تجمعها إسرائيل شهريا من الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية مقابل وارداتهم من السلع المستوردة ثم تقوم بخصم ديون السلطة لصالح شركات الكهرباء والماء وفاتورة المستشفيات ولكنها امتنعت عن التحويل لأسباب مختلفة منها دفع السلطة رواتب من تدينهم إسرائيل بممارسات بالإرهاب على حد زعمهم وقد أدى توقف العائدات المجمدة إلى جانب خسارة ٣٧٠ مليون دولار يتم ضخها عادة إلى الاقتصاد الفلسطينى خاصة من الضفة شهريا من قبل العاملين الفلسطينيين فى إسرائيل والمستوطنات إلى خلق مزيد من الأزمة ولن تكون السلطة قادرة على دفع رواتب أفرادها الأمنيين البالغ عددهم ٣٠ ألفا ولن يكون لهم حافز كبير لمنع أى أنشطة تستهدف إسرائيل فى الضفة خاصة أنها تمثل ثلثى موازنة السلطة والتى تعانى من عجز يصل إلى ٦٠٠ مليون دولار ولم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه موظفى السلطة وقوات الأمن ومن المفترض أن تحول إسرائيل حوالى ١٩٠ مليون دولار للسلطة منها ٧٥ مليونا لقطاع غزة والقضية مثارة منذ أشهر وبعد ضغوط أمريكية وخلال لقاءات عقدها مستشار الأمن القومى الأمريكى الأخيرة إلى تل أبيب واجتماعاته مع أعضاء وزارة الحرب حيث حثهم على ضرورة الإفراج عن أموال السلطة حتى لا تتفاقم الأمور أكثر فى الضفة وبعدها هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريش بالاستقالة اذا استجابت إسرائيل للضغوط الأمريكية وقامت بتحويل المبالغ لقطاع غزة وتعهد بعدم السماح بتحويل أموال الضرائب الفلسطينية إلى غزة أو عائلات منفذى الهجمات الفلسطينيين ملمحا إلى أنه سيستقيل بدلا من التحويل وعادت تل ابيب لتوافق بشرط تحققها من المستفيدين منها فى القطاع ولكن السلطة الفلسطينية رفضت وظلت على موقفها باعتبارها مستحقات فلسطينية أصلا ولا يحق لتل أبيب مراقبة كيفية صرفها كما أن القطاع لا يختلف عن الضفة والقدس وهناك مسئولية لها تجاه كثير من موظفيها فى غزة وفقا لتقرير منظمة العمل الدولية الشهر الماضى فقد وصلت نسبة من فقدوا وظائفهم إلى ٣٢ بالمائة أى ما يعادل ٢٧٦ وظيفة ووصلت نسبة البطالة إلى ٣٠ بالمائة بعد أن كانت بحدود ١٤ بالمائة قبل الحرب خاصة بعد أن سحبت إسرائيل ١٣٠ تصريح عمل من الفلسطينيين فى الضفة. 


يعانى الاقتصاد الفلسطينى من حالة اختناق ويعمل بنسبة ٥٠ بالمائة من طاقاته خاصة مع اعتماده الكامل على إسرائيل بعد أوسلو. 
وبعد فهناك مخاوف من المرحلة القادمة فى ظل تصاعد احتمالات دخول أهالى الضفة والقدس فى مواجهات مع القوات الإسرائيلية والتى ستختلف لاعتبارات جغرافية وسكانية عما يحدث فى غزة فى ظل وجود المستوطنين. 


فوفقا لتقرير لمجلس حقوق الإنسان فى مارس الماضى الذى كشف عن وجود ٧٠٠ ألف مستوطن الأغلبية منهم مسلحون بعد تشجيع وتبنى بن غفير لمبادرة توزيع السلاح على الإسرائيليين يعيشون بشكل غير قانونى فى الضفة الغربية والقدس فى ٢٧٩ مستوطنة بما فيها ١٤ مستوطنة فى القدس الشرقية المحتلة مقابل حوالى أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون فلسطينى يتوزعون فى مدن رئيسية وقرى وتجمعات بدوية. وقد ساهمت سياسات إسرائيل العدوانية فى تنامى نشاط جماعات المقاومة حيث تم تشكيل كتيبة جنين عام ٢٠٢١ وزيادة نفوذ حماس والجهاد فى الضفة كما عادت كتائب الأقصى الجناح العسكرى لحركة فتح إلى النشاط من جديد حيث أعلن تشكيل مجلس عسكرى موحد سيضم عناصر المقاومة على اختلاف مسمياتها تحت قيادة واحدة لإدارة المعارك مع الاحتلال على كافة الجبهات وأشار بيان لها فى ذكرى مؤسسها رائد الكرمى استمرارها فى المقاومة المسلحة والدفاع عن الشعب الفلسطينى وطالب الجناح العسكرى لحركة فتح بوقف اشكال ملاحقة المقاومين واعتقالهم والإفراج عن المعتقلين منهم لدى السلطة كما طالبها بدعم المقاومة مع زيادة حجم القوات الإسرائيلية فى الضفة.