«الصندوق الأحمر» قصة قصيرة للكاتبة رانية المهدي

الكاتبة رانية المهدي
الكاتبة رانية المهدي

 

 ممر حديدي صدئ، الأقدام تغوص في الماء اللزج الذي تفوح منه رائحة تقبض الأنفاس، أسير في الصف المرتب الذي لا ينكسر .

لا أتذكر شيئا مختلفا، فنحن دائما هنا، دائما ننظر لأسفل، يطلق علينا أصحاب الرقاب المنحنية، أيدينا تنعقد على الصدور ولا تتحرك إلا عندما يظهر ذلك الصندوق الأحمر، الذي نحمله إلى السير المتحرك ليكمل الطريق إلى أين؟  لا أعرف.

مللت تلك الرائحة والرتابة القاتلة، تقدمت خطوة وسألت ذلك الذي أدعوه أبي في تجاوز غير معهود:

_أبي، إلى أين تذهب الصناديق، وماذا يوجد بداخلها، ولماذا لا نخرج أبدا من هذا المكان؟

 

ما إن نطقت بهذه الكلمات حتى تضخم رأسي بسرعة رهيبة، كاد أن يدمر الممر.

توقف الجميع عن الحركة واستداروا للنظر إلي بعيون منكسرة، ثم نظروا إلى أبي الذي انحنى أكثر وانتزع رأسي الضخم ووضعه في الصندوق الأحمر، لينطلق الصندوق بسرعة رهيبة وهو يحمل رأسي الفارغ؛ فقد خبأت الأسئلة في يدي في غفلة من الجميع.

يقتطع أبي جزءا من قلبه ويشكل منه رأسيا الجديدة لي؛ لأعود طفلا لا يتجاوز ركبته، ليعود كل شيء كما كان إلا أنا؛ فقد أسكنت الأسئلة في رأسي الجديد، وقررت أن أبحث عن الإجابات المفقودة في صمت، فقد تعلمت ألا أتكلم حتى أتعلم.