«مسار إجباري».. قصة قصيرة للكاتب سمير لوبه

الكاتب سمير لوبه
الكاتب سمير لوبه

يحلمُ مثل غيرِه حلمَه المشروعَ في إيجادِ عملٍ أو السفرِ والثراءِ. يقضي معظمَ وقتِه على سطحِ منزلِهم  مع حماماتِه البيضاءِ ؛ فيخف معها ثقلُ همومِه وقهرِ العوزِ.

تخرَّج في الجامعةِ ، ولم يحصلْ على وظيفةٍ ، يقبلُ بكل عملٍ متاحٍ مهما كان ليجلبَ مالاً  يساعدُ أسرتَه التي ذاقت الأمرَّين ؛ ليكملَ تعليمِه ؛ أملأ في حياةٍ كريمةٍ .. تحلقُ عيناه مع الحماماتِ في السماءِ متمتماً  :

-     ليت لي جناحين  .

يلوي رأسَه ناظراً للأفقِ الممتدِ ، تحلقُ روحُه مع الحماماتِ البيضاءِ، تطوف أفكارُه في عالمٍ من الخيالِ الوردي الندي ؛ فتسكنَ خلجاتُ نفسِه المضطربةُ، وتنطفئ نيرانُ غضبِه البركانيةُ على واقعٍ لم تكن له يدٌ فيه، يسيرُ في الشوارعِ مُتَسكِعاً؛ تفتشُ عيناه عن أميرةِ أحلامِه؛ يتذوقُ معها شهدَ الحياةِ .

وذاتَ يومٍ ، إذا  بالأرضِ تنشقُ عن شابٍ يتعثرُ فيه .. إنه صديقٌ قديمٌ قد علم منه أن الأماني مازالت ممكنةً

-           اتفقنا.. غداً  في المساءِ أقابلُك بهم ، وهم سوف يساعدونك على السفرِ

وعلى الرُغمِ من تأكدِه أنها  هجرةٌ غيرُ مشروعةٍ ، لكنَّ كلَ شيءٍ صار مُباحاً .. ولم لا ؟ فقد فعلها الكثيرون ..   فليجربْ هو أيضاً حظَه ، يقضي ليلتَه يرسمُ لأسرتِه الحلمَ ، ويمنّيهم الأمانيَ   :

-           إذاً نبيعُ كلَ ما يصلحُ للبيعِ ، حتى لو اضطررنا أن نستدينَ  .. هي مجردُ شهورٍ قليلةٍ نتحملُ شظفَ العيشِ حتى يفيضَ نهرُ المالِ نغترفُ منه ؛ إنها أوروبا   .

ويأتي اليومُ الموعودُ ؛ ليركبَ المركبَ الصغيرةَ من الشاطئ المظلمِ على أطرافِ المدينةِ الساحليةِ ، يحتضنُ آمالَه البحرُ وأحلامَ شبابٍ هو معهم، وقبلَ بزوغِ ضوءُ النهارِ ، يأمرُهم المراكبي بالقفزِ إلى الماءِ والسباحةِ ليبلغوا حُلمَهم ، وما أن وطأت أقدامُهم الشاطئ الرملي  :

-           لقد سرقوا حُلمَنا …

الآنَ لا مفرَ وقعوا جميعًا في فخِ سارقي الأحلامِ ؛ فينضمَ مع أقرانِه إلى قائمةِ ضحاياهم الممتدةِ  ، يصلُ بيتَه ليلاً ، والناسُ نيامُ   :

-           لماذا لم تسافر ؟

بدموعٍ امتزجت بالحسرةِ يقصُ عليهم كيف سرقت الأطماعُ  حُلمَهم 

-           وما العملُ .. كيف سنردُ الديونَ الثقيلةَ ...؟

تبكي الأمُ قهراً ، تسقط رأس الأبُ بينَ راحتيه لا يقوى على رفعِها ،  الصغارُ يبكون عجزاً ... 

تنهش أيامُ الجوعِ مِعَد أبويه والصغار ؛  يصعدُ لسطحِ منزلِهم ، ومع بزوغِ النهارِ؛ تحلقُ الحماماتُ البيضاءُ يتبعُها بعينيه  ، يعتلي حافةَ السورِ ، يمطُّ جسدَه النحيفَ ، يفتحُ ذراعيه عن آخرِهما ، يمدُّ رقبتَه لأعلى ، يعلقُ ناظريه بحماماتِه البيضاءِ

المارةُ في الشارعِ ،  تجمدت أقدامُهم ، و جحظت عيونُهم ؛ تنعقد ألسنتُهم .