بيل جيتس.. صانع الجوع في أفريقيا| الملياردير الأمريكي يعبث بالنظام الغذائي للأرض

جيتس فى المنتدى الاقتصادي العالمي 2006 يقدم المشورة لصانعي السياسات
جيتس فى المنتدى الاقتصادي العالمي 2006 يقدم المشورة لصانعي السياسات

■ كتبت: دينا توفيق

لم يكن يومًا مزارعًا، ولم يبذل مجهودًا يذكر فى المجال الزراعي.. استطاع جمع ثروته التي تتخطى 100 مليار دولار، ليصبح من أغنياء العالم، لاستثماراته فى مجال التكنولوجيا، إلا أن التنمية الزراعية وتوسيع الزراعة الصناعية فى أفريقيا؛ حلم قديم راود الملياردير الأمريكي ومؤسس شركة مايكروسوفت «بيل جيتس»، وكان مشروعه الذى روج له بالتعاون مع مؤسسة روكفلر باسم تحالف الثورة الخضراء فى أفريقيا وأنفقت عليه مؤسسته «بيل وميليندا جيتس» ما يقرب من 6 مليارات دولار منذ عام 2002..  وخلال عام 2021، أطلقت عليه مجلة «تقرير الأرض» اسم «بيل المزارع»، وذلك لأنه أصبح أكبر مالك خاص للأراضي الزراعية في الولايات المتحدة. 

◄ 200 منظمة تطالب مؤسسته بالتوقف عن تمويل الثورة الخضراء «الفاشلة»

◄ أصبح المالك الأول للأراضي الزراعية في أمريكا بـ242 ألف فدان 

مثل الثروة، أصبحت الأراضى الزراعية مركزة فى أيدى عدد قليل من الأثرياء سواء عن طريق ملكيتها أو توفير المنح والدعم إلى المناطق المراد الاستثمار فيها، مما أدى إلى دفع أكبر للزراعة الأحادية وتقنيات الزراعة الصناعية الأكثر كثافة لتوليد عوائد أكبر. فى عام 2018، قام جيتس بشراء ما يقرب من 15 ألف فدان من الأراضى الزراعية لقبيلة «ياكاما» فى «هورس هيفين هيلز» بمنطقة زراعة الكروم الأمريكية فى جنوب شرق واشنطن، مقابل 171 مليون دولار. وخلال مطلع عام 2021، بات عملاق التكنولوجيا ملك الأراضى الزراعية فى الولايات المتحدة بعد أن امتلك حوالى 242 ألف فدان من الأراضى الزراعية وما يقرب من 27 ألف فدان من الأراضى الأخرى فى 19 ولاية، وفقاً لتقرير الأرض، وهى مجلة لمستثمرى الأراضى تتبع أكبر ملاك الأراضى فى الولايات المتحدة. وترى المجلة الأمريكية، أن الخطر الأكبر يمكن فى الدور الاحتكارى الذى يلعبه مالكو الأراضى الزراعية الخاصة مثل جيتس، فى تحديد الأنظمة الغذائية وأنماط استخدام الأراضى، وليس دعمهم المعلن للزراعة المستدامة الموجودة غالبًا فى العمل الخيرى. وتشارك مؤسسة «بيل وميليندا جيتس» بدفع تقنيات الأغذية الحيوية والهندسة الوراثية أو بشكل عام تسهيل أهداف شركات الأغذية الزراعية الكبرى. 

وحاليًا هناك تسارع فى توحيد الشركات لسلسلة الأغذية الزراعية العالمية بأكملها. وانضمت تكتلات التكنولوجيا والبيانات الضخمة؛ بما فى ذلك أمازون، ومايكروسوفت، وفيسبوك، وجوجل، إلى عمالقة الأعمال الزراعية التقليدية، فى سعيها لفرض نموذجها فى الغذاء والزراعة على العالم. وبطبيعة الحال، تحاول مصالح المليارديرات وراء ذلك تصوير ما يفعلونه على أنه نوع من المساعى الإنسانية لإنقاذ الكوكب من خلال «حلول صديقة للمناخ»، أو «مساعدة المزارعين» أو «إطعام العالم». ومع ذلك، فإن ما يفعلونه هو إعادة تغليف استراتيجيات التجريد التى تعتمدها الإمبريالية وغسلها باللون الأخضر.

وتروج مؤسسة جيتس لنموذج فاشل للزراعة الصناعية الكثيفة الاستخدام للمواد الكيميائية «GMO» والآثار الضارة التى تحدثها على الزراعة والمزارعين الأصليين، وصحة الإنسان والمجتمعات الريفية والنظم الزراعية البيئية والبيئة. حيث ركزت المؤسسة على الإصلاحات التقنية فى القارة الأفريقية وتقديم الكثير من منحها إلى المجموعات التى تمارس الضغط من أجل الزراعة الصناعية وتقويض البدائل، مما يعد أمرا سيئا للمزارعين الأفارقة وسيئا لكوكب الأرض بأكمله. ووفقًا لمنظمة «Grain» غير الربحية لدعم صغار المزارعين، أنفقت مؤسسته ما يقرب من 6 مليارات دولار على مدى السنوات الـ 17 الماضية فى محاولة لتحسين الزراعة، لا سيما فى أفريقيا، من أجل مكافحة الجوع. وعلى الرغم من ذلك، أظهر تحالف الثورة الخضراء فى أفريقيا أن زيادة نسبة الجوع فى البلدان الشريكة للتحالف ارتفع إلى ثلاث عشرة دولة، بعد أن كان ما بين 8 و9 دول، حيث إن إنتاجية الزراعة فى ثمانى دول منذ بداية أنشطة التحالف تقدمت ببطء عما كانت عليه فى السابق. 

◄ اقرأ أيضًا | ذكرى ميلاد بيل جيتس.. أغنى رجل في العالم ومؤسس مايكروسوفت  

وكان التحالف حتى عام 2020 يعتزم مضاعفة دخل 20 مليون مزارع صغير وتخفيض نقص المواد الغذائية فى 20 بلدًا أفريقيا إلى النصف، وهو ما وعد به التحالف أثناء تأسيسه عام 2006. ومن ثلاثة أعوام طلبت 200 منظمة معنية بالزراعة والغذاء من مؤسسة جيتس التوقف عن تمويل الثورة الخضراء «الفاشلة»، مما دفع منظمة GRAIN بتقديم تحليل لجميع المنح الغذائية والزراعية التى قدمتها المؤسسة حتى عام 2020، لفهم كيفية تشكيل مؤسسة جيتس لأجندة الزراعة العالمية ونفوذها الهائل عليها. 

وجدت منظمة GRAIN أنه بينما تركز منح المؤسسة على المزارعين الأفارقة، فإن الغالبية العظمى من تمويلها ذهب إلى المعاهد البحثية فى أمريكا الشمالية وأوروبا بدلاً من المزارعين، كما أنها كانت موجهة بشكل أساسى إلى تشكيل سياسات لدعم الزراعة الصناعية، وليس أصحاب الحيازات الصغيرة، متجاهلة تمامًا التقنيات والتنوع البيولوجى الذى يمتلكه هؤلاء المزارعون. 

ومن عام 2003 وحتى عام 2020 ، خصصت المؤسسة ما يقرب قرابة 1130 منحة للأغذية والزراعة، بلغت قيمتها من 6 مليارات دولار، منها 5 مليارات دولار من المفترض أن تخدم أفريقيا. ولم يكن هناك أى تغيير لمحاولة الوصول إلى المزارعين فى القارة السمراء بشكل مباشر، ولم يتم إعادة التركيز بعيدًا عن النهج التكنولوجى الضيق، ولم تكن هناك خطوات لتبنى أجندة سياسية أكثر شمولية. وبطبيعة الحال، فإن دور مؤسسة جيتس تخطى مجرد تقديم المنح، حيث يمتلك الصندوق الاستئمانى للمؤسسة استثمارات كبيرة فى شركات الأغذية والأعمال الزراعية، ويشترى الأراضى الزراعية، ولديه استثمارات فى رأس المال فى العديد من الشركات المالية حول العالم. حيث ذهب ما يقرب من نصف منح المؤسسة للزراعة إلى أربع مجموعات كبيرة؛ منها مجموعة كونسورتيوم الفرنسية للبحوث الزراعية الدولية «CGIAR»، ومؤسسة التكنولوجيا الزراعية الأفريقية «AATF» فى كينيا، ومركز تكنولوجى آخر يدفع تكنولوجيا الثورة الخضراء والكائنات المعدلة وراثيًا، بالإضافة إلى عدد من المنظمات الدولية مثل البنك الدولى وكالات الأمم المتحدة. وتدعى مؤسسة جيتس أن 80% من منحها تهدف إلى خدمة المزارعين الأفارقة.

وتضغط مؤسسة جيتس على الحكومات الأفريقية لتنفيذ السياسات التى تفضل شركات البذور ومبيدات الآفات، مثل براءات الاختراع على البذور أو اللوائح التى تسمح باستخدام للكائنات المعدلة وراثيًا، وفقًا لما ذكرته مجلة «جاكوبين» الأمريكية.

وهناك ارتباط وثيق بين منظمة ابتكار التكنولوجيا الحيوية «BIO»- التى تعمل لصالح الهندسة الوراثية للأغذية - وجيتس وغيره من رواد إعادة التعيين الذين يدفعون لاستبدال جميع الأطعمة الطبيعية بأغذية معدلة وراثيًا وحاصلة على براءة اختراع. وتمثل BIO، أكبر منظمة لتجارة الكائنات المعدلة وراثيًا فى العالم. وتدعى المنظمة أن الهندسة الوراثية هى الحل لشفاء العالم وإمداده بالوقود وإطعامه، ولتحقيق هذه الغاية، فإنها تمارس الضغط على 15 مجالًا سياسيًا مختلفًا، بما فى ذلك سياسة الغذاء والزراعة والرعاية الصحية.

وفى عام 2004، أطلقت منظمة BIO بتعاون مع مؤسسة جيتس مشاريع التكنولوجيا البيولوجية لأغراض الصحة العالمية «BVGH»، وهى منظمة غير ربحية تعمل على «تطوير وإدارة البرامج عبر القطاعات الربحية وغير الربحية لتسريع البحث والتطوير فى مجال الأمراض المرتبطة بالفقر». وفى عام 2018، تم إنشاء معهد بيل وميليندا جيتس للأبحاث الطبية «Gates MRI»، الذى يتبع مؤسستهم ويعمل على تطوير التقنيات الحيوية لمعالجة المشاكل الصحية فى البلدان الفقيرة.

وتعقد BIO شراكة مع وزارة الدفاع الأمريكية «DOD»، والتى تقوم بتمويل وتوفير عمليات نقل التكنولوجيا للأمراض مثل الملاريا والسل والإيبولا التى يركز عليها Gates MRI وBVGH .. ويحاول جيتس إقناع صانعى السياسات بأن رؤيته للعالم هى الرؤية التى يجب اتباعها. لقد اعتاد العالم على صوره وهو يصافح أو يجالس الزعماء. وفى الواقع، يبدو أن العديد من هؤلاء القادة حريصون جدًا على التواجد فى هذه الصور والاستماع إلى نصيحته. وصف فريق الخبراء الدولى المعنى بالنظم الغذائية المستدامة الوضع بأنه «معركة شديدة الخطورة حول الرؤى المختلفة لما يشكل العلم الشرعى والمعرفة ذات الصلة بالنظم الغذائية» و»جزء من معركة أوسع حول الشكل الذى ينبغى أن تبدو عليه النظم الغذائية ومن يجب أن يحكمهم «.