53 عامًا على ملحمة بناء «السد العالي».. المشروع الذي غير وجه الحياة في مصر

السد العالي
السد العالي

53 عامًا مرت على افتتاح السد العالي في 15 يناير عام 1971، سبقتها سنوات من العمل والجهد والكفاح لبناء السد.

بدأت ملحمة بناء السد العالي في 9 يناير 1960، عندما أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر البدء في تشييد واحد من أعظم المشروعات العملاقة في العصر الحديث، بل وربما أهم مشروع في حياة المصريين.

اقرأ أيضا: حكاية شعب.. بُناة السد العالي أبطال على قيد الحياة 

أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين

وليس من قبيل المبالغة أن يوصف السد العالي بأنه «أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين»، فقد حمى ذلك المنشأ -الأصيل- مصر من تأثيرات النقيضين «الجفاف والفيضان» على مدار سنوات، فضلًا عن آثاره الاقتصادية التي عاشت «المحروسة» في ظلالها الممتدة على مدار أكثر من نصف قرن من الزمان.

وفي مثل هذا اليوم 15 يناير قبل 53 عامًا، أكد الرئيس الراحل محمد أنور السادات - خلال احتفالية افتتاحه - «أن السد العالي معركة تمت واكتملت بانتصار.. والانتصار هو انتصار الأحرار.. وانتصار الإرادة.. وانتصار للجهد العلمي المنظم.. وانتصار صداقة الحرية والسلام».. وأن «الرموز الكبرى في حياة الأمة ليست حادثة تقع وتُنسى.. وإنما الرموز الكبرى في حياة الأمم إشارة إلى طاقات مستمرة».

نعم.. السد العالي أحد الرموز الكبرى في حياة الأمة؛ لذا لم تكن إقامته عملية روتينية لبناء مبنى أو تشييد مشروع على النيل، ولكنها «حكاية مصرية» تشابكت تفاصيلها وتعقدت حبكتها التاريخية، وارتبطت منذ بداية كتابتها بوجدان المصريين، ليدرك من يقرأ تفاصيلها، أن «أحفاد الفراعنة» بنوّا هرمًا في الجنوب يخطف الألباب، ويجذب الأنظار إلى عزيمة لا تلين، وإرادة صلبة لا تنكسر ولا تخضع لأي ضغوط.

اقرأ أيضا: وزير الري السابق: جسم السد العالي الأساسي في حالة ممتازة

حكاية بناء السد العالي

بدأت فكرة بناء السد العالي مع ثورة يوليو عام 1952، ومع توجه الدولة المصرية نحو التنمية عقب التحرر من الاستعمار البريطاني.

وتقدم المهندس المصري اليوناني الأصل، أدريان دانينوس، إلى مجلس قيادة الثورة بمشروع لبناء سد ضخم عند أسوان، لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه.

بدأت الدراسات في العام ذاته من جانب وزارة الأشغال العمومية المصرية (وزارة الري والموارد المائية حاليا)، وتم إقرار التصميم النهائي للسد ومواصفات وشروط تنفيذه عام 1954.

وفي عام 1955 تقدم البنك الدولي بمعونة بما يساوي ربع تكاليف السد، لكن تم سحب العرض في العام التالي لما وصف بأنه "ضغوط استعمارية".

اقرأ أيضا: سد أسوان الأول.. أول باكورة تنمية حقيقية في مصر

في عام 1958 تم توقيع اتفاقية بين روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) ومصر، لإقراض مصر 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولي من السد، وفي العام التالي 1959 تم توقيع اتفاقية توزيع مياه خزان السد بين مصر والسودان.

بدأ العمل بالفعل في التاسع من يناير عام 1960، وشمل حفر قناة التحويل والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة، وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتي منسوب 130 مترا.

في منتصف مايو عام 1964 تم تحويل مياه النهر إلى قناة التحويل والأنفاق، وإقفال مجري النيل والبدء في تخزين المياه بالبحيرة.

في المرحلة الثانية تم الاستمرار في بناء جسم السد حتي نهايته، وإتمام بناء محطة الكهرباء وتركيب التوربينات وتشغيلها، مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء.

انطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالي في أكتوبر عام 1967، وبدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد منذ عام 1968.

في منتصف يوليو عام 1970 اكتمل صرح المشروع.

في 15 من يناير عام 1971، تم الاحتفال بافتتاح السد العالي فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

اقرأ أيضا: ذكرى الإنتهاء من بناء السد العالي

 

التكلفة الإجمالية لبناء السد العالي

قدرت التكلفة الإجمالية لمشروع السد العالي بنحو 450 مليون جنيه مصري، أو ما يوازي حينها نحو مليار دولار، حيث كان سعر صرف الجنيه المصري يساوي 2.3 دولار مع بداية الربط بين العملتين عام 1962.

وساهم الاتحاد السوفييتى السابق بنسبة مهمة من تلك التكلفة، حيث كانت مصر من أهم حلفائه إبان تلك الفترة التي احتدمت فيها الحرب الباردة بين موسكو والولايات المتحدة .

اقرأ أيضا: ذكرى بناء السد العالي.. العالم قال لن تستطيع مصر وفعلها عبد الناصر‎‎

حكايات لا تُنسى من دفتر أحوال السد العالي

في عام 1962، تزايد القلق من توقعات بحدوث فيضان سيجرف كل الجهود التي جرى تنفيذها لبناء السد العالي، مما سيتسبب في خسارات اقتصادية وسياسية ومائية.

وأشارت التوقعات إلى ارتفاع المياه في شوارع القاهرة -بسبب ذلك الفيضان- إلى أكثر من خمس سنتيمترات، إذا لم تنتهِ الأعمال المطلوبة، خلال عامين.

كانت معدلات إنجاز السد العالي ضعيفة، وتشير إلى خطر قادم، وجدول خطة العمل يشير إلى ضرورة الانتهاء من المرحلة الأهم في بناء السد العالي- تحويل مجرى النيل- قبل مايو 1964.

لتنقلب الأمور رأسًا على عقب، باختيار الرئيس جمال عبد الناصر، محمد صدقي سليمان، لإعادة "كفة ميزان" العمل إلى الوضع المثالي.

«قانون سليمان» وزير السد العالي

«لا راحة ولا إجازات حتى هَدّ الجبل».. كان قانون محمد صدقي سليمان، الرجل الذي صُنع من أجله منصب وزير السد العالي، فهو كان أول وآخر وزير للسد العالي.

سار على «قانون سليمان» كل من عمل في بناء السد العالي، فكانوا كأنهم ركبوا قطارًا، لا يعرف محطات سوى محطة النجاح.

وعُلقت لافتات توضح العد التنازلي للزمن المتبقي على تحويل مجرى النهر، وكانت تراجع يوميا، ويكتب عليها (باق من الزمن .... يوم)، ورغم بساطة الفكرة إلا أنها ألهبت حماس العمال، وعُرفت عنه مقولته الشهيرة: «علمنا بناء السد أن الصبر لا يكمن في الاستسلام للزمن.. ولكن في مقاومته».

مطالب وزير السد العالي

لم يطلب محمد صدقي سليمان، الكثير لتنفيذ رغبة الرئيس جمال عبد الناصر في متابعة إنشاءات السد، فقد كان له مطلبان، وافق عليهما الرئيس الراحل فورا.

كان طلبا سليمان، منحه صلاحيات رئيس الجمهورية، وخط تليفون مباشر إلى مكتب رئيس الجمهورية، ليهجر بعدها سليمان مكتبه ويظل باقيًا في أرض الميدان يستقبل الشكاوى بنفسه، ويتخذ القرارات وسط الأنفاق أو في مجرى التحويل أو على مقعد "كراكة".

 

قرارات وزير السد العالي لإسراع وتيرة العمل

رئيس السد العالي، أصدر قرارات لإسراع وتيرة العمل في إنشاءات السد، بانتداب ضباط مهندسين، وضم من أنهى خدمة التجنيد إلى العمل، وأقام معهدًا للتدريب على العمل في السد، كما قرر بأن تكون سنة الدراسة الأخيرة لطلبة الدبلوم الصناعي في أسوان، للعمل في السد.

وصف السد العالي

يبلغ الطول الكلي للسد 3600 مترا، منها 520 مترا بين ضفتي النيل، ويمتد الباقي على هيئة جناحين على جانبي النهر، ويبلغ طول الجناح الأيمن 2325 مترا على الضفة الشرقية، ويبلغ طول الجناح الأيسر 755 مترا على الضفة الغربية.

ويبلغ ارتفاع السد 111 مترا فوق قاع النيل من منسوب 85 مترا إلى منسوب 196 مترا، وعرضه عند القاع 980 مترا وعند القمة 40 مترا.

ويتكون جسم السد من ركام الجرانيت والرمال، ويتوسطه نواة مانعة لتسرب المياه، وعلى الجانب الأيسر للسد مفيض، يسمح بصرف ما يزيد على منسوب المياه عند 182 مترا، وهو أعلى منسوب لحجز المياه أمام السد، وتبلغ سعة حوض التخزين على أقصى منسوب للحجز 162 مليار م3، تحتويها بحيرة صناعية يبلغ طولها 500 كيلومتر، ومتوسط عرضها 12 كيلومترا، ويبلغ مسطحها نحو 6500 كيلومتر، وتعد ثاني أكبر بحيرة صناعية في العالم.

 

بحيرة السد العالي تستقبل أولى قطرات التخزين

استقبلت بحيرة ناصر أولى قطرات مياه التخزين القادمة من الجنوب عام 1968، إيذانا ببدء تخزين المياه، وفي منتصف يوليو 1970 اكتمل الصرح وتحقق مشروع «الحلم القومي»؛ ليتم افتتاحه رسميا في 15 يناير 1971، وبث التليفزيون المصري عبر شاشته، فرحة المصريين بالافتتاح الرسمي للسد العالي.

 

مصر تنتصر في معاركها

حالف مصر في رحلة بناء السد العالي النصر، وأحاط بالرحلة الفخر، وغلفتها الكرامة، فاجتمعت العوامل التي أعلن بموجبها الرئيس السادات -خلال افتتاح السد العالي- الانتصار قائلا: «إننا اليوم نعلن انتصارنا في معركة.. وغدا نحن على أبواب تحدٍ أخر.. ولكن الإصرار هو نفس الإصرار.. والإرادة هي نفس الإرادة.. والجهد العلمي المنظم هو نفس الجهد العلمي المنظم.. وصداقة الحرية والسلام هي نفس صداقة الحرية والسلام.. إنني أريد أيها الأخوة أن أحيي ذكرى القائد الذي رحل (جمال عبدالناصر).. وفي نفس الوقت أحيى جهد شعبه الباقي إلى الأبد».

 نعم سيبقى «هرم مصر الجنوبي» -السد العالي- شاهدًا على حكاية «كفاح المصريين» وإرادتهم التي لم-ولن- تلِن في مواجهة الصعاب، سالكين دروب التنمية والازدهار والحرية والسلام، تتعالى أصواتهم بكلمات النصر مرددين: "قلنا هانبني وادينا بانينا السد العالي".