«حياء الإبل» قصة قصيرة للكاتب محمد عبدالحافظ ناصف

«حياء الإبل» قصة قصيرة للكاتب محمد عبدالحافظ ناصف
«حياء الإبل» قصة قصيرة للكاتب محمد عبدالحافظ ناصف

لما دخلت أمه كان يفترش زوجته بعد شهر من المقدمات والهدايا والرجاء، تضاءل، تداخل في بعضه، انقبض، هب واقفا، وارى  

التقط جلبابا، ارتداه سريعاً، لم ينس أن يرتدي سروالاً، لحق أمه قبل أن تدخل حجرتها، استوقفها، أمسك ذراعها، أبعدت يده المرتعشة في غضب، أحس بنظراتها تخترقه ناراً كأن سيخا حديديا نفذ في قلبه، قالت بسخرية:

-        الجمال أشد حياءً من البني آدم.

كانت الجملة ترن في أذنيه فترتعش أطرافه، جرجر ألمه وارتكن في زاوية الصالة، أخرج سيجارة وحاول أن يشعلها فلم يستطع، لم يكن يجرؤ أن يشعل سيجارة في حضرتها، ظل صوتها وصوت الجمل يكونان صوتاً غريباً يرن في أذنيه، تراءت صورة أمه أمامه وهو عار، وأمه لا تكترث وزوجته لا تكترث.

اقترب من بابها ثانية، طرق عليها الباب بحنو بالغ، فتحت بشدة، امتلأ الباب بجسمها الضئيل، قالت بقسوة:

-        ادخل..

وأدارت رأسها في اتجاه آخر، أسرع وراءها.

-        يا أمه.. الباب كان مغلقا.

-        يعني أنا فتحته يا ابن الكلب.

-        لا!!

-        مع السلامة.

وأدارت رأسها في اتجاه ثالث، حاول أن يقنعها لكنها لم تقبل، حاول أن يرضيها فأبت، ظل يطأطئ رأسه كلما رآها، لم يعد يشعر بشيء حوله، ولم يعد يستطيع أن يتذوق طعم النوم، ولم يعد يقبل على الأكل الذي يقدم له في إهمال.

كانت الوجوه الثلاثة في اتجاهات ثلاثة، فقد رغبته في أي شيء، باع الجمل الذي كان يده وقدمه، حاول للمرة الأخيرة أن يقابل وجه أمه قبل أن ينام في الصالة لكنها تركته بإهمال، في الصباح كان كل شيء هادئاً وهو وحده كان ممددا في فراشه يعطي ظهره للجميع، التقى وجه الأم ووجه الزوجة لأول مرة منذ أسبوع لكي يبكيانه!!