تداعيات ومخاطر تنطوى عليها قضية جنوب إفريقيا

جانب من مظاهرات جنوب إفريقيا الداعمة للقضية الفلسطينية
جانب من مظاهرات جنوب إفريقيا الداعمة للقضية الفلسطينية

تبدو علامات القلق واضحة للغاية على الأوساط الإسرائيلية من احتمال إدانة تل أبيب خلال مداولات محكمة العدل الدولية، وما قد يترتب عليها من تداعيات دولية. ومن بين التداعيات التى تخشاها إسرائيل من احتمال إدانتها فى محكمة العدل الدولية: أن تمهد أى إدانة لها فى محكمة العدل لمحاكمة قادة ومسؤولين إسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى أيضا، الإضرار بمكانتها الدولية، وخلق رأى عام دولى مناهض لها، زيادة المقاطعة الدولية لها، الامتناع عن تزويدها بأسلحة، فرض عقوبات عسكرية واقتصادية عليها وقطع علاقات سياسية واقتصادية معها.

ورأت الإيكونوميست البريطانية أن «الدعوى التى تقدمت بها جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية ضد إسرائيل قد أزعجت حلفاء اسرائيل الغربيين، لكنها لاقت فى المقابل استحسان قوى 'متوسطة' ناشئة مثل إندونيسيا وماليزيا وتركيا ومنظمة التعاون الإسلامى، وآخرين».

ويرى مراقبون أن أيّ حُكم قد تُصدره المحكمة الدولية -حتى ولو لم ينفّذ- ضد إسرائيل سيمثل «ضربة لها كما سيغيّر من الطريقة التى تتعامل بها دول أخرى مع إسرائيل - كأنْ تصبح هذه الدول أقلّ استعدادا لبيعها أسلحة»، بحسب صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية..

وتقول الجارديان، إن «شبح العزلة الدولية الذى طالما تخوّف منه قادة إسرائيل» ظهر أخيرا فى محكمة العدل الدولية.

ورأت أن معظم هؤلاء القادة الإسرائيليين لم يكونوا يتوقعون أن يأتى ظهور هذا الشبح بموجب دعوى قضائية ترفعها جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية. وما أظهرته تصويتات جرت مؤخرا فى الجمعية العامة للأمم المتحدة من «صدمة المجتمع الدولى من وحشية إسرائيل فى غزة، ورغم تلك الصدمة لا يزال هذا المجتمع غير قادر على اتخاذ أى خطوة».

أن ما يجعل خطوة جنوب إفريقيا «استثنائية» هو حقيقة أن «اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية يعنى بالتبعية اتهام مَن يقدّم لها الحماية والتمكين الدبلوماسى -الولايات المتحدة- بالتواطؤ فى جريمة هى الأسوأ بين الجرائم».

وان إسرائيل تعوّل على الدعم الأمريكى اللامحدود فى هذا 'الإجرام الممنهج'. وإنها تشعر بارتياح إذْ تحذو حذو الولايات المتحدة فى تحدّيها الصارخ للقانون الدولى كما تجلى فى 'حرب واشنطن على الإرهاب' وفى اجتياح العراق».

إن دعوى الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل لمحكمة العدل الدولية هى فى ضوء ما تقدم صوت صارخ لبقية أمم العالم بأن التضامن القائم على أساس من القيَم قد عاد مرة أخرى خيارا ممكنا وأن نظاماً عالمياً مختلفاً هو كذلك أمر ممكن.

ورأت مجلة «تايم» الأمريكية أن ذهاب جنوب إفريقيا بهذه الدعوى لمحكمة العدل الدولية قد «يغير مسار الحرب الإسرائيلة على غزة». 

وإذا وجدت محكمة العدل الدولية أن هناك دعوى ظاهرة الوجاهة بأن لديها اختصاصًا للنظر فى القضية، فقد يجبر ذلك المحامين داخل حكومة الولايات المتحدة على النظر، على سبيل المثال، فى شرعية المساعدة المالية والعسكرية المستمرة لإسرائيل.

ويحظر القانون الأمريكى المعروف باسم قانون ليهى تقديم المساعدة العسكرية لقوات الأمن الأجنبية عندما تكون هناك معلومات موثوقة تشير إلى تورط تلك الوحدة فى ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وكما كتب بريان فينوكين، فإن الدعم المالى والعسكرى الأمريكى لإسرائيل يتضمن مجموعة من المحظورات القانونية المحلية الأخرى. وهذه المخاوف ليست جديدة على الصراع الدائر. ففى أكتوبر، استقال جوش بول، المسؤول بوزارة الخارجية، من المكتب الذى يشرف على عمليات نقل الأسلحة للدول الأجنبية، مستشهداً على وجه التحديد باعتراضه على المساعدة العسكرية التى تقدمها الإدارة لإسرائيل.

وقد تعطى القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية ثقلاً لهذه المخاوف القائمة منذ زمن طويل، سواء انحازت المحكمة إلى جانب إسرائيل فى مزاعم التحريض على الإبادة الجماعية أو منع أعمال الإبادة الجماعية.

كما يعتبر القانون الأمريكى الإبادة الجماعية، وكذلك التحريض على الإبادة الجماعية، جريمة جنائية. لا ينطبق القانون على المواطنين والمقيمين فى الولايات المتحدة فحسب، بل أيضًا على «الموجودين فى الولايات المتحدة».

من غير المرجح، ولكن ليس من المستحيل، أن قضية محكمة العدل الدولية، من خلال إضفاء مصداقية على ادعاءات الإبادة الجماعية من قبل إسرائيل، يمكن أن تجعل من الصعب على المسؤولين الإسرائيليين المشاركين فى المجهود الحربى السفر للولايات المتحدة، على الرغم من أن السيطرة على أى قرارات من هذا القبيل سوف تكون أكثر صعوبة. والبقاء فى أيدى وزارة العدل الأمريكية.

والولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التى ستواجه هذه القرارات مع تقدم القضية. ومن المرجح أن تنشأ قواعد قانونية مماثلة فى دول أخرى بسبب مزاعم الإبادة الجماعية، خاصة إذا انتقلت القضية لمرحلة الأسس الموضوعية. ومع ذلك، فإن اتخاذ قرار لصالح إسرائيل يمكن أن يضع حداً لهذه المخاوف.
وأياً كان رأى المرء فى طلب جنوب إفريقيا، فإن هذا قد يشكل خطوة مهمة إلى الأمام فى ما يتصل بإنفاذ قانون حقوق الإنسان، وترسيخ أداة جديدة مهمة لضمان قدر أعظم من الامتثال لالتزامات المعاهدات التى ظلت غير منفذة منذ فترة طويلة.