ليلة مقتل عريس بولاق .. تناول إفطاره الأخير ثم قتلوه أمام المنزل

المجنى عليه
المجنى عليه

حبيبة‭ ‬جمال

 عقارب الساعة تشير للخامسة بعد الظهر، الحزن والدموع والصراخ كانوا مسيطرين على المشهد، جثة ملقاة أمام عتبة منزل، أم مصدومة تجثو على ركبتيها، تحتضن جثة فلذة كبدها الغارق في دمائه، لا تصدق ما حدث له، تصرخ لتستنجد بأي شخص لينقذ حياة ابنها، لا تعلم تلك المسكينة أنه أصبح جثة هامدة لا جدوى من محاولات إنقاذه.

محمد عريس بولاق الدكرور الذي قتل بدون أي أسباب تذكر، هذا كان المشهد الأخير في حياته، لكن قبل هذا المشهد هناك تفاصيل كثيرة ومأساوية في حياة هذا الشاب، منذ صغره وحتى قتله، وإلى التفاصيل.

داخل شقة صغيرة بسيطة بشارع أحمد يوسف، بمنطقة بولاق الدكرور، عاش بطل قصتنا، محمد أحمد؛ ذلك الشاب الذي يبلغ من العمر ٢٤ عامًا، لديه من الأشقاء ثلاثة، كان هو الابن الثاني بعد شقيقته إيمان، توفى والده منذ أن كان عمره ١٢ عامًا، فوجد نفس يحمل الهم والمسئولية منذ الصغر، خلع عباءة الطفولة وارتدى عباءة الشقاء، وخرج لسوق العمل كي ينفق على أسرته بالحلال، فهو بمثابة العائل الوحيد لهم، كان مثالا للشاب المكافح، يتميز بالطيبة وحسن الخلق، لا أحد يعرفه إلا ويحبه، استطاع محمد أن يجهز شقيقته الكبرى حتى تزوجت، وقرر هو الآخر أن يكمل نصف دينه، وأحب فتاة وذهب مع والدته لخطبتها، واتفقوا على كل شيء، وبدأ ينسج أحلامه باليوم الذي سيأتي ويكونان فيه تحت سقف بيت واحد، حتى والدته كانت تنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر الذي ستراه عريسًا يرتدي بدلة الزفاف، لكنها فاقت من أحلامها على كابوس مفزع، وبدلًا من أن يرتدي محمد بدلة الزفاف ارتدى الكفن الأبيض، والسبب «لعب العيال» أو بسبب ذلة لسان طفلة، محمد مات غدرًا في لحظة شيطان.

حالة من الحزن انتابت الجميع، الكل اتشح بالسواد حزنا على ذلك الشاب الذي لم يعرف الراحة منذ صغره، وودعه الجميع في مشهد جنائزي مهيب. 

انتقلت أخبار الحوادث لمنزل أسرة الضحية لمعرفة ماذا سبب؟، وهل السبب القتل هو «لعب العبال»؟!.

طفلة استفزته

منذ أن وطأت أقدامنا شارع أحمد يوسف، ورائحة الحزن تفوح من كل مكان، صمت وحالة من الحزن سيطرت على الشارع بأكمله، داخل شقة المجني عليه كانت تجلس والدته وشقيقتيه وزوجة نجل عمه، الجميع اتشحن بالأسود، الحزن رسم ملامحه على تعبيرات وجوههن، لسن بحاجة للكلام لكي يعبرن عن الحزن والألم الذي يعتصر قلوبهن.

بدأت زوجة نجل عمه الحديث معنا، لأنها والدة الطفلة صاحبة المشكلة من الأساس، فقالت: «فاطمة بنتي نزلت تلعب في الشارع مع ابن خالها، فكان في طفل صغير من أهل بيت المتهمين ضرب ابن خالها، فضربته فاطمة، وقتها كان قاعد يوسف المتهم فضل يسبها بأبشع الألفاظ، فنزلت على الصوت سألتها ف ايه يا فاطمة قالتلي يوسف شتمني، ليه وليه قالت يوسف كده من غير عمو، صوته بدأ يعلى ويشتم أكتر، محمد المجني عليه كان نازل من البيت فقال في ايه، فقاله البت بتقولي يا يوسف، محمد رد وقاله حقك عليا، وحاول يراضيه لكي ينهي الشجار لكن يبدو إن يوسف كان ناوي على الشر، مسك فيه ونزل إخواته هشام ومحمود ومسكوا جميعا في محمد، تدخل الأهالي وأخذوا محمد بعيد ومع ذلك المتهمين حاوطوه من كل جانب، محمود ضربه بالسنجة على راسه أكتر من مرة، ويوسف كان بيضرب في وشه وهشام أخرج سكينة من جيبه وطعنه في صدره أسقطه غارقا في دمائه، حاولنا إنقاذه وأوقفنا توك توك لنقله للمستشفى لكن يوسف ضرب السواق، وقاله «سيبه يموت»، فواحد جارنا حمله على الموتوسيكل ونقله للمستشفى لكن كان جثة».

التقطت الأم أطراف الحديث، فقالت بصوت كله حزن وأسى بعد ما جفت دموعها: «ماكنتش أعرف إنه مات، كنت فاكرة أنه مصاب فقط، قتلوه أمام عيني، ملحقش ياكل يا حبيبي، كنت لسه بعمله الأكل، نزل للموت».

راجل البيت

صمتت قليلا وكأن شريط من الذكريات يمر أمام عينيها، ثم قالت: «زوجي مات وترك لي ٤ أطفال، كانوا صغار، محمد ترك التعليم وتحمل المسئولية، كان سند وضهر ليا، شقيت عليهم وتعبت وما صدقت بقوا كبار وقولت خلاص هفرح به، حرموني منه، يوم الجريمة كان تعبان ولم يذهب للعمل، كان نايم طول اليوم، ولما صحي قالي جعان يا ماما، وقفت أحضر له الأكل، ونزل يشتري حاجة، فجأة سمعت صوت الصراخ والخناق، نزلت لاقيته مرمي على الأرض غرقان في دمه، نزلت جمبه اصرخ يمكن حد يلحقه، ماكنتش فكراه مات، أنا مش عايزه غير حقه، عايزه القصاص العادل».

أما شقيقته إيمان الكبيرة، والتي تعتبر بمثابة والدته الثانية، كانت في حالة يرثى لها، تبكي بحرقة عليه، فقالت: «كان أحن واحد في الدنيا، من الشغل للبيت ولا له في المشاجرات ولا المشكلات، وقف جمبي وساعدني لحد ما اتجوزت، كان ابني اللي ربيته، حرموني منه وملحقناش نفرح به، طول عمره شقيان وفي الآخر مات غدر، أول ما شوفت المتهمين في النيابة مقدرتش أمسك نفسي كنت عايزه أخلص عليهم، أنا عايزه حق أخويا عايزه ناري تبرد، أهل المتهم كلهم هربوا بعد الجريمة، لكن المباحث قبضت على المتهم الرئيسي وهو بيجمع الفلوس عشان يهرب».

طفلة: انا السبب

أثناء تواجدنا داخل بيت الأسرة، لاحظنا وجود طفلة صغيرة تقف على الباب وكأنها تراقب المشهد من بعيد، كأنها تريد أن تخبرنا بشيء، فنظرت إليها، وقبل أن أنطق بكلمة، أخبرتني والدتها أنها هي فاطمة الشررة التي أشعلت الخلاف، فطلبت منها أن تجلس بجوارنا وتحكي ماذا تريد، فقالت بكل براءة: «هم ليه قتلوه، عمو محمد كان غلبان معملش حاجة، أنا السبب، كنت بلعب في الشارع وعشان قولت للقاتل اسم يوسف من غير عمو، فضل يشتم فيا وقتل عمو محمد، أنا عايزه عمو محمد يرجع لينا تاني، والقاتل هو اللي يموت».

هذه الكلمات خرجت من فم طفلة لا يتعدى عمرها ٨ سنوات، شاهدت بعينيها جريمة قتل بشعة ومشهد مأساوي لن يمحوه الزمن من ذاكرتها، دخلت القسم والنيابة وأدلت بشهادتها عن الحادث.

                      المتهمان

قبل الهروب

تلقى اللواء هاني شعراوي مدير المباحث الجنائية بالجيزة، إخطارًا من المستشفى بوصول جثة قتيل إثر ادعاء مشاجرة، على الفور وجه العقيد محمد الصغير مفتش مباحث فرقة الغرب بسرعة فحص البلاغ والوقوف على ملابساته، وتوصلت جهود رجال المباحث إلى أن المجني عليه يدعى محمد أحمد، ٢٤ سنة، قتل على يد جيرانه بسبب «لعب العيال». تمكن المقدم محمد نجيب رئيس مباحث بولاق الدكرور القبض على المتهم الرئيسي هشام قبل محاولة هروبه، وأرشد عن شقيقه يوسف المتهم الثاني بعد هروبه لمنطقة صفط اللبن، وتولت النيابة التحقيق وأمرت بحبسهما ٤ أيام.

إقرأ أيضاً : خلال ساعات.. محاكمة تاجر أدوات المنزلية بتهمة قتل شيف البدرشين


 

 

 

;