فى الصميم

إسرائيل.. فى قبضة العدالة الدولية

جلال عارف
جلال عارف

قبل يوم واحد من انعقاد أولى جلسات محكمة العدل الدولية للنظر فى الاتهام الموجه لإسرائيل بارتكاب أعمال «إبادة جماعية» ضد شعب فلسطين.. كان وزير الخارجية الأمريكى «بلينكن» يكرر المزاعم الأمريكية بأن القضية ليس لها أساس، وبأن أمريكان لا ترى هذه «الإبادة» رغم أنها تتم بقنابلها وأسلحتها المحرم بعضها دوليا«!!» وكان الوزير الأمريكى يتطوع بإضافة تقول إن هذا الاتهام يشتت الجهود من أجل التهدئة «التى يعطلها الفيتو الأمريكى منذ ثلاثة شهور!!».. وكأنه ينصح العالم بأن يترك اسرائيل تقتل فى هدوء!!.

لكن العالم كان يدرك خطورة ما يحدث من إسرائيل.. ليس فقط بما يجرى من «إبادة جماعية» لشعب لا يطلب إلا الحرية والاستقلال، وإنما أيضا من قتل لمفهوم «العدالة الدولية» إذا استمرت ازدواجية المعايير عند الغرب بقيادة أمريكا، وإذا استمرت جرائم إسرائيل بلا عقاب، وإذا استمرت دولة عظمى مثل أمريكا تحمى مجرمى الحرب فى إسرائيل وإذا استمرت ألاعيب السياسة قادرة على منع العدالة من فرض أحكامها على الجميع.

ولا شك أن بدء نظر دعوى جنوب أفريقيا ضد «الإبادة الجماعية» التى تقوم بها إسرائيل كان موعدا فارقاً بالنسبة للعدالة الدولية.. ليست هذه هى الدعوى الأولى التى تنظرها محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل.. قبل عشرين عاماً كانت هناك دعوى تطلب رأيا استشارياً ضد الجدار العازل الذى بنته إسرائيل فى أراضى الضفة الغربية، وفى العام الماضى طلبت الأمم  المتحدة من المحكمة رأيا استشاريا حول شرعية الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين.. وفى المرتبة تجاهل حكام الكيان الصهيونى الأمر ولكنهم لم يستطيعوا ذلك فى هذه المرة لأن الرأى فى الدعاوى السابقة كان «استشارياً» ولهذا تجاهلته تل أبيب وقاطعت المحكمة.. أما الحكم فى دعوى «الإبادة الجماعية» فهو «ملزم» ولهذا قررت إسرائيل الحضور ومنحت أمريكا دعمها ونفوذها لمحاولة الهروب من المحاسبة القانونية.. وكان هذا فى حد ذاته إقراراً من الكيان الصهيونى ومن يدعمونه بأنهم لم يعودوا فوق القانون أو بعيداً عن المحاسبة وهم يمارسون «الإبادة الجماعية» لشعب فلسطين عمداً وعن سابق إصرار!!.

كان الفريق القانونى المميز لجنوب أفريقيا يقدم قضيته أمام المحكمة أول أمس، وكان السؤال الذى يحير هو: هل كل هذا لم تره الولايات المتحدة حقاً؟! وهل لم تر قتل الأطفال وحصار الجوع، والإبادة الجماعية للفلسطينيين؟!.. بالتأكيد رأت، وعرفت، وشاركت.. ولهذا لا تريد المحاكمة التى ستكشف حتما عن الجريمة، ومن ارتكبها، ومن دعمها وشارك فيها، ومن لا يزال يريد استكمالها بالإصرار على استمرار المذبحة، ورفض أى قرار لإيقاف القتال!.

ستستمر الضغوط السياسية «خاصة من جانب أمريكا» حتى النهاية، لكن عدالة القضية تفرض نفسها، والمذبحة التى تتواصل على أرض فلسطين لا يمكن لأى ضمير حى أن يسمح باستمرارها، والمحكمة نفسها سبق أن قالت قبل عشرين عاماً إن «حق الدفاع عن النفس» الذى تتخذه إسرائيل وأمريكا مبرراً لارتكاب الإبادة الجماعية لا ينطبق على إسرائيل بوصفها دولة احتلال.. والعالم يترقب الحكم خلال أيام فى الشق المستعجل من القضية بفرض إجراءات احترازية توقف الإبادة لحين الفصل النهائى فى القضية، وفى مقدمة الإجراءات المطلوبة وقف إطلاق النار، وبعدها ينفتح الباب لمحاكمة مجرمى الحرب على جرائمهم.

أخيراً.. إسرائيل فى قبضة العدالة الدولية، وسجل الجرائم لا تحصى صفحاته!