رقمنة التذوق

نور الشيخ
نور الشيخ

حاسة التذوق تم اغتيالها بفعل البلوجرز، وكأن الهدف هو طمس حواس الإنسان حاسة تلو الأخرى، لقد توقف بى العلم عند محاولات طمس الهوية واغتيال الثقافة وهرى الإرادة وتحكم الذكاء الاصطناعي، لكن بعد فترات طويلة من الرصد لحالات هياج مواقع التواصل الاجتماعى وخصوصا بعد ظاهرة التيك توك تلاحظ خضوع الملايين لتجربة شرطية تمام تشبه تجارب بافلوف.

البداية من ظاهرة البلوجرز، ولا زلت عند رأيى إنها مهنة من لا مهنة له، بل دعونى أصل الى ما هو أبعد من ذلك هو مرض البحث عن الشهرة فى وسائل التواصل الاجتماعى جعلت من كل شخص شخصية عامة حتى أصبحنا فى كوكب الشخصيات العامة الباحثة حول ردود أفعال الغير حول الصور والفيديوهات، وأصبح المواطن يرى السعادة فى عدد الاطراءات ومدى تجاوب المتابعين له، حتى إنه فى الكثير من الأحيان يسعى الى تمويل الصفحة أو المنشور نفسه من أجل الحصول على عدد أكثر من المؤيدين والحصول على قدر أكبر من السعادة وإشباع غرور الذات.

بداخل كل إنسان بشرى صحفى يبحث عن الفرصة للوصول إلى شيء لا يعلم عنه شيئا فترى إناسا يقومون بنشر أى شيء وكل شيء ليصبح مصدراً من المصادر عند التابعين له.

أصبح الموضوع أكبر من تحرير الصحفى المكبوت بداخلك بل ترغب فى أن تكون ممثلاً أو مغنياً أو حمادة سلطان فتفجرت فى وجوهنا براكين من صناع المحتوى الكوميدى وبراكين من صناع اللا محتوى حتى إنه يقوم بتحريك فمه مع مقطع من فيلم أو اغنية او مسرحية بغية إضحاك الآخرين.

كل ما سبق هو محاولات لتضييع الوقت وحرق العمر وإهدار لطاقات الانسان وتعميق فكرة ان تكون تابعاً مخلصاً اصيلاً للا شيء الذى نشاهده بكل تركيز وصدق، ولكن ما يسترعى انتباهى اكثر هو المحاولات المستميتة لفقد حاسة التذوق، فترى مجموعة من «الفورد بلوجرز» لاهثين خلف الأموال ليس أكثر أو أقل يتذوقون بالنيابة عنك ويختارون بالنيابة عنك ويبدون رأيهم بالنيابة عنك.. وبما أنك تابع مخلص تنساق وراء رأيهم الممول من أصحاب المطاعم حتى إنك تجد كل المصطلحات المستخدمة واحدة باختلاف اللازمة المميزة لكل بلوجر مثل رقصة أو «إفيه» أو مصطلح محدد يتميز به.. تجدهم جميعا يتفننون فى إبداء الاعجاب والاندهاش بجودة الطعام حتى إن أغلبهم أصبح يأكل بشكل مقزز يصيبك بالغثيان فى الكثير من الاحيان.. وهو يظن أنه بذلك يتودد إليك ويزيل الفوارق بتناوله للطعام بهذه الطريقة الحيوانية لعلك تصاب بفرط اللذة الرقمية.

فى الواقع أيها السادة إن الفوود بلوجرز أراهم بعين مختلفة تماما، فأنا أراهم كما أرى التجربة الشرطية لايفان باتروفتيش بافلوف العالم الروسى الذى غير وجه سلوك العالم بتجاربه على استثارة حواس الحيوانات ليتحكم بهم ومن ثم التحكم فى البشرية وقد نجح بافلوف فى ذلك عن جدارة فقدان حاسة التذوق مثل فقدان حاسة تذوق السمع، فقد استبدل الناس الغناء الجيد بأغانى التيك توك والمهرجانات وأصبح المتحكم فى الذوق العام للسمع والتذوق هو التريند وليس أنت.