بين الانترنت والسياسة

مها سليمان
مها سليمان

عمل الإنترنت والتقنيات الرقمية التى تنتج الفضاء الالكترونى على تغيير المجتمع والأعمال والسياسة، حيث يستجيب الناس للابتكارات والآراء الجديدة عبر الانترنت، ويغيرون سلوكهم وفقًا لذلك. تعمل هذه التأثيرات على إعادة تشكيل السياسة، وهى نتيجة لطبيعة البيئة عبر الانترنت نفسها، حيث يمكن للجمع بين التكنولوجيا والمعلومات والعمليات العقلية الغريزية اعادة تشكيل طريقة تفكير الناس دون وعى.

من ثم نجد الانترنت يعمل على تسريع الاتجاهات السياسية الأكبر التى تؤثر على دور الدولة، وفعالية الديمقراطية الليبرالية فى تلبية احتياجات مواطنيها، وسلطة القيم المستمدة من التنوير، كما تواجه المبادئ الأساسية وراء الأفكار الغربية حول «التقدم» والكمال شكوكًا، وتوفر تقنيات المعلومات الجديدة، باعتبارها وسيلة مثالية لهذا السؤال والنتيجة هى تسريع تدهور السرد السياسى السائد للتقدم الديمقراطى، وهى شكوك يفرضها القرن العشرون، والحروب العالمية، والأسلحة النووية، و«الاشتراكية العلمية» التى قوضت فكرة أن العلم والحق الفردى سيعملان بشكل تلقائى وسلس على تحسين المجتمع، والأهم من ذلك، إذا كان «العقد الاجتماعى» الأساس الذى تقوم عليه المجتمعات الديمقراطية هو أن الجميع يجب أن يشاركوا فى التقدم، فإن العديد من الحكومات الغربية لم تحقق غايتها من الصفقة، لقد تمزق سرد التقدم الديمقراطى بشدة، بسبب أوجه القصور فيه، وبسبب الجهود المستمرة من قبل الأنظمة الاستبدادية لتقويضه.
لذا نجد أن كلًا من الجهات الحكومية وغير الحكومية يستغلون التأثير السياسى للانترنت، نظرًا لكونها الأداة السياسية المهيمنة فى هذا القرن، حيث يستغل الفاعلون كثيرًا من الميزات التى يمنحها لهم الإنترنت، ومنها القدرة على إخفاء الهوية، وغياب وساطة المحتوى، وتخفيف الموانع الاجتماعية عبر الانترنت، والوصول العالمى للإنترنت والشبكات غير الوطنية، لقد نجح الإنترنت فى إيجاد طرق جديدة للأفراد، لربط ولاءاتهم والتعرف على المجموعات، إنه يفصل المناقشة العامة عن الموقع الفعلى ويزيد من احتمالية اعادة تعريف المجتمع على أنه «أولئك الذين يفكرون مثلنا» بدلًا من «أولئك الذين نشارك معهم موقعًا».
قبل الإنترنت.. ربما يكون الشخص الذى لديه وجهات نظر متطرفة معزولًا فى مجتمعه قبل ذلك العصر، ولكن الآن، يمكنه الاتصال بالإنترنت.