ذكريات مع خليفة زينات صدقى فى ذكرى رحيلها

عاطف النمر مع الفنانة الراحلة سعاد نصر فى العاصمة القطرية «الدوحة»
عاطف النمر مع الفنانة الراحلة سعاد نصر فى العاصمة القطرية «الدوحة»

فى زمن الهم والغم والنكد، تكون الابتسامة أغلى من أى دواء لعلاج النفس المتعبة، المثقلة بالهموم، فى الذكرى الـ 17 لغياب خليفة زينات صدقى يمر أمامى فى لقطاتٍ متتابعة شريط الذكريات مع خفيفة الروح والظل بنت البلد المجدع سعاد نصر، التى كانت تغضب وتضحك وتثور وتهدأ بعفوية وتلقائية تثير الدهشة، سعاد «جمعت فى شخصيتها الطموح بلا حدود، وحب الحياة بجنون، بعكس النهاية الأليمة التى انتهت بها حياتها فى عملية شفط للدهون حدث فيها خطأ طبى أدخلها فى غيبوبة لمدة عامين» !


التقيت بها آخر مرة بساحة المسرح القومى، داعبتنى بخفة ظلها «انت عجزت كده ليه ؟» فقلت لها: «وانتى أحلوتى كده ليه ؟»، فقالت بعفوية بنت البلد: «أسكت، مش أنا بعمل تخسيس، جسمى أتدور وأحلويت، إيه رأيك؟»، قلت: «أقولك ولا تزعليش؟»، قالت وهى تدفعنى فى صدرى: «أوعى تكون ما بقتش تشوف، أنا مركزة اليومين دول فى السينما ولازم جسمى يبقى ولا أحلى سنيورة»، فقلت: «أنا مرشحك لدور عمرك فى مسرحية من تأليفى عن زوبة الكلوباتية»، قالت: «ما أعطلكش، أنا اليومين دول مركزة فى السينما مبقاش عندى طهقان للمسرح»، قلت لها قبل أن تقفز فى سيارتها «طب ادينى إيميلك وأنا أرسل لكِ النص.. أقرى وبعدين احكمى»، استدارت لى وهى تقول «ده دواء ولا إيه ؟»، زعقت فى وجهها وأنا أقول: «معندكيش بريد على النت؟»، ضحكت وهى تقول : «أنا «تور» فى الكمبيوتر ولا اعرف بيفتحوا الجهاز ده أزاى»، قلت: «طب رقم المحمول عشان المخرج يتصل بيكى»، ردت سريعا «أهو ده عفريت تانى ما بستعملوش ولا بعرف استخدمه، قل له يتصل بى على البيت»!.
انصرفت سعاد نصر وأخذت معها لحظات الضحك والروح المرحة التى أشاعتها فى المكان، كانت تكره التكنولوجيا والكمبيوتر والإنترنت، وبعدها دخلت سعاد لتخضع لعملية شفط الدهون التى أدخلتها فى غيبوبة انتهت بسفرها للسماء لنفتقد روح المرح وخفة الظل التى كانت تذكرنى بخفة ظل العملاقة زينات صدقى. 
فى عام 1993 كنت أعمل رئيساً لقسم الثقافة والفنون بجريدة «الشرق» ومديراً لتحرير مجلة «سيدة الشرق» بالعاصمة القطرية الدوحة، وفوجئت بسعاد نصر داخل مكتبى برفقة زميل دراستها بالمعهد عبد المنعم عيسى الذى يعمل بالتربية المسرحية، ووجدتها تصرخ فى وجهى «ابقى فى الدوحة ومتجيش تستقبلنى فى المطار، مكانش عيش وكتابة» ووجدتها تحتضننى بروح بنت البلد وهى تقول: «واحشنى يا فنان» قلت لها: «وانتى أكتر.. بتعملى ايه فى الدوحة ؟» قالت: «بشارك فى بطولة مسرحية «المزواج» مع المخرج محمد البلم، سبوبة وتعدى»، واكتشفت فى الدوحة الشعبية الجارفة التى تحيط بسعاد نصر أينما ذهبنا وأينما تجولنا، وذات يومٍ من أيام العرض وجدتها تتصل بى من فندق الشيراتون تقول لى: «مفيش عندك ملوحة ولا فسيخ»، فقلت لها: «لا ملوحة ولا فسيخ.. أنا عيالى فى مصر.. ثم مين اللى يأكل ملوحة وفسيخ فى عز لهيب صيف الدوحة يا سعاد؟» فقالت: «وحدك جبرك تاكل أنا اللى عايزة آكل، اتصرف لأنى طلبت من القطريين قالوا إن الحاجات دى ما بتتبعش فى المحلات هنا، اسأل المصريين أصحابك»، ظللنا نبحث لمدة يومين حتى عثرنا على محل فى منطقة متطرفة يديره مصرى ويجلب البضاعة من مصر، واحضرنا لها المطلوب فانهالت عليه.. وفى المساء بدأت تشكو من الانتفاخ وشدة العطش وهى تقول بعفويتها المرحة «أعمل ايه للنفس الدنية.. كان لازم يعنى يا سعاد نفسك تهفك على الفسيخ مع إنى لا حامل ولا بتوحم والله»!


سعاد نصر شبراوية وأنا شبراوى، وأهل شبرا دم واحد وروح واحدة، وعندما عدت من الدوحة كانت سعاد تشارك أحمد بدير بطولة مسرحية «الانتخابات» بمسرح الريحانى، ذهبت لغرفتها بين الفصول وبرفقتى زوجتى وابنتى التى لم تكن قد تجاوزت العامين من عمرها، كانت تضع مكياجها، نظرت لابنتى وهى تقول لها: «انتى خايفة منى ليه.. أنا أعرف أبوكى من قبل ما انتِ تيجى.. تعالى أحط لك روج على الشفايف عشان تطلعى بنت «صايعة»، وضعت لها الروج وجعلتها تنظر لنفسها فى المرآة وهى غارقة فى الضحك، واستطردت سعاد قائلة لزوجتى: «كل البنات اللى طالعين اليومين دول فاهمين كل حاجة، على أيامنا لو كنت أحط روج وأنا فى الثانوى ولا فى المعهد كان أبويا يدبحنى، النهاردة بنتى بتبقى قاعدة جنبى نتفرج على التليفزيون بنشوف فيلم عربى ولا أجنبى والمفعوصة اللى لسه ما طلعتش من البيضة تشوف البطل مقرب وشه من البطلة، تقوم تقولى دلوقتى يا ماما ها يحضنها ويبوسها !!»، وتغرق سعاد فى الضحك وهى تقول: «جيل إيه ده إحنا ما تربيناش كده، ولا إحنا يا فنانين اللى مبوظين الجيل ده بالأفلام اللى بنمثلها، الدنيا اتغيرت والفضائيات بقت حاجة فظيعة وتربية العيال النهاردة بقت أصعب من ترويض الحيوانات المفترسة».. الله يرحمك يا سعاد.. كنتِ كما النسمة الندية فى لهيب الصيف. 
«ع . أ»