«دستور الحب» قصة قصيرة للكاتبة إيمان حجازي

 قصة قصيرة للكاتبة إيمان حجازي
قصة قصيرة للكاتبة إيمان حجازي

يحكى أن في مملكة كان الصفاء ماءها وهواءها وعطرها الفواح، أن حل عليها عابر سبيل، بهي الطلعة، نظراته كالماء السلسبيل، لسانه شفاء العليل، وبسمته كأنها السحر، وعلى دق خطوه ترقص اﻷطيار واﻷعمار والظل الظليل

 

ويحكى أن الغريب عندما استقر له المقام في المملكة، وبسطت له المجالس وفتحت القلوب ومشى على أهداب العيون وسكن الحلم ونهى وأمر وحكم والطاعة واجبة مشمولة بالحب، قرر تغيير الدستور، دستور الحب، وبدأ سن القوانين، ربما تفسيرا لحلم، ربما علاجا لجرح، ربما رسما لطريق.

شرع يحلل ويحرم، ويسمح ويمنع، ويقرب ويبعد، وبدل حال المملكة، وقلب نهارها ليلا، وسرورها حزنا، ومرحها كآبة، والمملكة لم تكن لتشتكى، كانت راضية، تقبع ليلها ونهارها تسبح بحبه، تصلي في محراب قلبه، تتوضأ من شعاع عينه، والحج فريضة نداء، للنظر والطواف والسعي والرجاء .... والغفران نصيب، فيا سعده المقبول من الحبيب

 

والحبيب الذي كان باﻷمس غريبا، الذي استولى على المملكة، وقفل البيبان دونها ودون الغير، والذي صادر المفاتيح وأعلنها ملكية خاصة بدون إعلان، ولم يصرح بالحب قط حتى ولو همسا، تبدلت أحواله، لم يعد جوه صحوا عبيريا، أصبح خماسينيا عاصفا ترابيا خانقا.

 

وحبس المملكة في سجون الهوى، وتكبر وتجبر وطغى، ونسى حالا كان عليه يوما من الود واللطف واللين، وفرض على المملكة النكران، صار يعذبها كلما ذكرت أنها هوت، ففي الجحيم هوت

وأطفأ في عيونها شعاعات كانت تضئ للأحياء سناء وللدنيا ثناء.

 

يذكر فيما يذكر أنه عندما صادفها عصر يوم بينما كان يتهادى يوزع سحر عبيره ويتيه أنه وقع على حزن دفين في تلك العيون التي سكنها يوما وكانت به تهيم، وعندما ارتحل عنها خلف ذلك الوجوم ، اقترب محاولا التعرف على أول طريق الحزن الساكن من العيون، فلم تكن لتمهله حتى يعرف، أن أول طريق الحزن هو، وآخره سهم كان قد أرسله، ذات مساء، وما زال يسكن القلب.

لم تكن لتمهله يستعيد شكوى قلبها ذات ليلة، قالت في البعد هلاكي يا ملاكي، فضحك وسخر وشد رحال قلبه واعتزم فهجر...

لم تكن لتمهله أن يطأ أول الطريق، كانت تخشي أن يصدمه الأحمر الدامي يسيل من قلب أحب، ليست نقاط بل سيول، وتساءلت هل لتلك الدماء أن تطهرها من إثم حب كان ومازال لمن لا يؤمن بالحب، وهل لدمائها أن تستعيد الدستور.....