آخر صفحة

حامد عزالدين يكتب: أسلمت وجهي لله رب العالمين - الجزء الأول

حامد عزالدين
حامد عزالدين

القرآن الكريم كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يتسم باستحالة الحشو أو التكرار. وعندما نقرأ معا في الآية 35 سورة الأحزاب: «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا». أو في الآية الخامسة من سورة التحريم «عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا». وكذلك الآية 14 من سورة الحجرات: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ». 

لا يمكن أن نجادل في هذه الآيات التي تحمل تأكيدا يقينيا أولا على أن المسلمين والمسلمات شيء والمؤمنين والمؤمنات شيء آخر، وثانيا أن الإسلام يتقدم دائماً على الإيمان ويسبقه. وببساطة شديدة فإن الفعل أسلم يتعدى بحرف الجر اللام وما بعد اللام لابد أن يكون موجودا أما الفعل آمن فيتعدى بحرف الجر الباء وما بعد الباء غيب. وللإيضاح في الآية 125 من سورة النساء: «وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا». فأنا مسلم لله لأن الله موجود في كل نفس أخرجه وكل خلية من خلاياي وفي الهواء الذي أتنفسه والماء الذي يبقيني حيا وفي كل من وما حولي. لأن الله موجود وهو معنى الحق وما تعبدون من دونه الباطل أي الوهم كما ورد في الآية 30 من سورة لقمان: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» . فمعنى الحق في اللغة العربية هو الموجود أما الباطل فمعناه الوهم. أما الفعل آمن الذي يتعدى بحرف الجر الباء وما بعد الباء غيب ، فأنا ولا أنت لا يمكن لنا أن نقول إننا مسلمون لمحمد، لكن كلانا مؤمن بمحمد باعتباره غيبا. وذلك مؤمن بموسى أو بعيسى. 

وبدءا بنبي الله إبراهيم ونبي الله يعقوب، فإن كل الأنبياء كانوا مسلمين لله رب العالمين. وفي سورة البقرة ثانى سور القرآن الكريم بالترتيب المصحفي نقرأ: «إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ». وها هو نوح عليه السلام يؤكد أنه من المسلمين: ففي سورة يونس «فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ».

وكذلك نبي الله يوسف في الآية 101 من  سورة يوسف: «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ».

وهؤلاء هم سحرة فرعون دعوا الله سبحانه وتعالى أن يتوفاهم مسلمين في الآية 126 من سورة الأعراف: «وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ». وفي الآية 133 من سورة البقرة: «أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ». 

وقبل ذلك كله فإن الإسلام لله هو الشهادة التي نطقت بها ذرية آدم وهي لا تزال في ظهره . ولهذا أصبح الإسلام هو الدين «مع وضع السكون على الياء» لله على ذرية آدم. وفي الآيتين 172 و173 من سورة الأعراف: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ». 
في الأسبوع المقبل بمشيئة الله تعالى - إن كان في العمر بقية - نستكمل البحث في هذه القضية المحورية للوصول إلى عالمية الإسلام .