رسائل من حنين إلى سمير رافع

رسائل من حنين إلى سمير رافع
رسائل من حنين إلى سمير رافع

القاهرة فى 25 يناير 1959

عزيزي سمير

أشكرك على خطابيك وعلى تمنياتك الطيبة، وصلتنى أيضا مجموعة الصور غير أنه تعذر نشرها فى الكتيب الذى صدر بمناسبة معرض نحو المجهول» وذلك لضيق الوقت، ولكننا سنستخدمها فى أقرب فرصة جديدة. وفيما يتعلق بالنقط التى ذكرتها فى خطابك الأخير أرفق لك رأيى فيها وقد سجلته بالفرنسية كما طلبته.

إليك أصدق تحياتي

عزيزي سمير

فيما يتعلق بالنقاط التى ذكرتها فى خطابك أرفق لك رأيى فيها:

أحد أهم الأساسيات التى تعتمد عليها حركة «الفن المستقل» فى مصر كان ظهور رؤية جديدة للتصوير، مع ربط نشاط الفن المحلى باختياراته (الحية المنعشة) المعاصرة وليدة اللحظة بلحظتها للفن فى العالم، يأتى فى المرتبة الأولى بالطبع المدرسة الباريسية والسريالية والتكوينات المنشقة منها، والفن المجرد المجهول التجريدى وغيره، قبل ظهور تيار الفن والحرية الذى تأسس فى نوفمبر 1938 يعد وبكل صدق الانتاج الفنى المصرى متأخرا ب 25 عاما من ناحية الطريقة والاتزان فى التعبير التصويرى عن الغرب، وأسباب هذا التأخر لا ترجع لأسباب خارجية، بل ترجع إلى الانعزال الدرامي(الفردى) للفنانين الغارقين فى جهل الفن والمشاهدة الجدية (عدم مشاهدة الفن بجدية، وعدم وعيهم لمتطلبات تطوير مشروع الفن التشكيلى الداخلي)، بالمتطلبات المتزايدة للمشروع الداخلى دائما، هذان العاملان كانا ضد روح الإبداع حتى عند أفضل الرسامين، ابتداء من براك Braque إلى ماكس أرنست ومن كاندنيسكى إلى ميرو، عندما كنا نعمل هنا وهناك على منهج لفترة جديدة كان غير مقبول على الإطلاق أن يظل الرسامون مكبلين بمصطلحات فنية قديمة لا تفيد، قبل عام 1920 لم يكن لدينا فى مصر إلا الاصطلاحية المطلقة، ولم تأت أى روح إبداع جديدة لتطلق قليلاً  من النبات المرهف(الفكر الجديد)، من 1920 إلى 1935 وجدنا ضعفا فى الإدارة مثير للانتباه، ولكن أولاً وأخيراً هذا الضعف تمثل فى التدفق الانطباعى لمحمد ناجي، والخجل ذى الألوان المتذبذبة لراغب عياد، وكذلك عند المصورين المصريين الباحثين عن التجانس الحى مثل محمود سعيد، ووصف هذه الأعمال يعتبر محددا ومتعلقا بسبب الآراء المسبقة التى أحاطت بهؤلاء الفنانين، فى الوقت نفسه مع وجود هذا العجز عند الفنانين الشباب الذين يقومون بحرق المراحل، فمدرسة الفن والحرية كانت قبل أى شىء المصدر الأساسى لهذا الاحتياج الراقى للنفس والروح.

اقرأ أيضاً| الفن والحرية والتمرد.. لماذا جورج حنين؟

الاكتفاء الذاتي مطلوب في الفن أكثر من الاقتصاد، فمن الواضح أن كل فنان يعتنى ببعض من الرموز والعلامات والارشادات كمرجع خاص به، ليساعده على ترجمة الفكرة اعتمادا على خبرته الذاتية، وليس من المطلوب أن يستغني عن هذا المرجع، ولكن خبرة الفنان ترجع إلى علاقاته مع العالم، وليس من المعقول أن تكون هذه العلاقات مغلقة ومقيدة، فلا توجد أى قيود بين الفنان والعالم، ولا يوجد فن قومي معرف بحد قانوني، ولكن يوجد فن كوني وحرفية فولكولورية، وبين هذين النوعين من الفنون لا توجد أى نقطة تقابل.

من المنطقي أن تكون مدرسة الفن والحرية مهتمة بكل مواضيع النقد أو تحرير المجتمع، إن الفن المتقدم الجرئ المبدع المبتكر ينشأ بصعوبة في مجتمع ناشئ كالمجتمع المصري، إن بعض المثقفين المتأثرين بالفكر الماركسي موجودون في مدرسة الفن والحرية، ولكن في المجمل المدرسة أظهرت تناقضا حيا أمام التطبيق الماركسي، من تبعية الفن إلى ضرورات المجتمع من خلال المعارض المتعاقبة من 1940 إلى 1945، ومن خلال المنشورات المتنوعة بالعربية والفرنسية.

من ضمن الفنانين البارزين الذين اشتركوا في معارض الفن المستقل الذي صممته مدرسة الفن والحرية في القاهرة لدينا: رمسيس يونان وفؤاد كامل وراتب صديق، سمير رافع، ومن الأجانب لدينا إريك دى نمس، أنجلو ديريز، والناقد إيمي أزار. إن الفنانين المصرين جاءت لهم الفرصة للتعرف على إنتاج الفن الحالي لفنانين مشهورين مثل ماتيو وتاسل.

الرسامون المصريون في الوقت الحالي منجذبون بشدة إلى الفن المجرد.

جورج