أصل الحكاية: تعرف على مخاطر التنقيب غير الشرعي عن الآثار المصرية

 الآثار المصرية القديمة
الآثار المصرية القديمة

التنقيب عن الآثار بشكل عام، هو علم وفن: علم؛ لأنه يعتمد على كثير من العلوم في تحقيق أهدافه وغاياته، ومن هذه العلوم ما يستعين بها المنقب في اختياره للمكان الذي سيجري فيه الحفر، وفي تحديده لموقع أبحاثه، فهو يستخدم؛ علم الطبيعة (الفيزياء)، والتصوير من الجو، وأجهزة الغوص، وعلم المساحة، وما إلى ذلك، كما أكده الدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص في الآثار اليونانية والرومانية في دراسة أسرار السعادة في مصر القديمة.

اقرأ أيضا|«وزيري» يعلن اكتشافًا أثريًا جديدًا في المنيا| صور 

ولذا فإن المنقب يقوم منذ اختياره للموقع وحتى نهاية الحفر باستخدام أجهزة علمية معقدة، وطرقا علمية تحتاج للدراسة، أما اعتبار التنقيب فن؛ فلأنه يعتمد على كثير من الفنون كالرسم والتصوير، كما أن معرفة المنقب بتاريخ الفن وتطوره ضرورية لقدرته على تأريخ المكتشفات الأثرية.

وأضاف دكتور دقيل، أن أهداف التنقيب، فمن أهمها: استخلاص الآثار وتسجيل أوصافها وأوضاعها بالنسبة لغيرها، والمحافظة عليها وترميمها، واستخدام الآثار المكتشفة في إلقاء أضواء جديدة على الحضارة الإنسانية الماضية وتطورها، واستنباط التاريخ منها . كما يهدف التنقيب إلى الكشف عن تلك القيم والمعاني التي تقدمها لنا الآثار ذاتها، فبالإضافة إلى القيم المادية والفنية للمكتشفات الأثرية، فإن الآثار تجسد لنا صورة الإنسان في الأزمنة القديمة، فهي تكشف عن أفكاره ومعتقداته، وتعبر لنا عن إمكانياته المادية وقدرته على تنظيمها، وتحدد لنا ذوقه وفنونه، كما ترسم لنا علاقاته بالبيئة المحيطة وبالناس الذين من حوله. 

بل إن ما تنتجه أعمال التنقيب من كشوفات قد ازدادت أهميته عما قبل. فإن كانت الآثار في الماضي قُدرت بقيمتها المادية وضخامتها ومستواها الفني الرفيع، فإن هذا المفهوم قد تغير اليوم، حيث أصبحت الشقفة الصغيرة من الفخار القديم قد تضارع في أهميتها تمثالا جميلا، وبل وقد تزيد عنه في الأهمية، إذ ربما تُلقي هذه الشقفة الضوء على حضارة ذلك العصر الذي تنتمي إليه.


      
والتنقيب عن الآثار، نوعان؛ الأول: هو الرسمي الذي تقوم به الدولة من خلال وزارة الآثار، أو من خلال البعثات الأجنبية التي تحدثنا عنها من قبل. والثاني، هو التنقيب غير المسموح به قانونا؛ ويُعرف بالتنقيب غير الشرعي، أو الحفر خلسة.

التنقيب غير الشرعي عن الآثار :

وأشار الي أن عمليات الحفر والتنقيب عن الآثار بشكل غير شرعي، موجودة بمصر منذ عقود طويلة كما عرفنا من قبل؛ إلا أن الواقع يؤكد على أن الأمر قد ازداد سوءا منذ ثورة يناير 2011 وما تلاها من أحداث، وعمليات التنقيب غير الشرعي، تحدث بشكل شبه يومي وبطول البلاد وعرضها من أسوان حتى الإسكندرية ومن سيناء حتى سيوة.


والأرقام المرصودة في هذا الاتجاه؛ تدل على أن الأمر بدأ يتخذ منحى خطيرا؛ وما يدلل على أن المشكلة متفاقمة؛ هو أن ما يتم الإعلان عنه، أو ضبطه من قبل الجهات المختصة، هو في حد ذاته لا يمثل نسبة 10% من الواقع الفعلي؛ وهذا طبقا لما تذكره بعض المصادر المطلعة. 

ويترتب على التنقيب غير الشرعي عن الآثار؛ مخاطر عديدة تتمثل في إتلاف الآثار وتهريبها للخارج بشكل لا نستطيع من خلاله العمل على عودتها مرة أخرى طبقا للمواثيق والمعاهدات الدولية. هذا فضلا عن تسببه في سقوط العديد من الضحايا ما بين متوفين ومصابين بأماكن الحفر التي كثيرا ما تنهار عليهم.

دوافع التنقيب غير الشرعي عن الآثار :

تتعدد الدوافع والأسباب التي تدعو المواطنين للقيام بعمليات التنقيب غير الشرعي عن الآثار في مصر، وبإمكاننا أن نوجزها كالتالي:

- ضعف الوعي؛ بأهمية التراث التاريخي والحضاري، وضرورة الحفاظ عليهم من أجلهم وأجل مستقبل أبنائهم.

- الواقع المعيشي المتأزم الذي يحياه المواطنون، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تدفع البعض نحو البحث عن مصدر سهل يستطيعون من خلاله العمل على سد احتياجاتهم واحتياجات عوائلهم الضرورية. 
     
- البحث عن الثراء السريع الذي يطمح إليه بعض الحالمين، وهؤلاء يعتبرون أن التنقيب عن الآثار وبيعها هو أسهل طريق لتحقيق تلك الطموحات الآثمة. 

- انتشار بعض الفتاوى الدينية، التي تحلل عملية التنقيب والبحث عن الآثار، وتعتبر أن الآثار ركاز يحل بيعه؛ بشرط التصدق بالنسبة الشرعية منه وهي الخمس، بل إن مفتي الجمهورية، عندما أكد على حرمة تجارة الآثار وضع استثناءً يفتح الباب واسعا أمام تجارة الآثار وليس العكس، حيث قال: "لا يجوز شرعا المتاجرة بالآثار، أو التصرف فيها بالبيع أو الهبة، أو غير ذلك من التصرفات، إلا في حدود ما يسمح به ولي الأمر، وينظِّمه القانون؛ مما يحقق المصلحة العامة"، فتركُ الأمر لولي الأمر يبين أن الموضوع لا يزال غير واضح أمام أهل الفتوى الشرعيين. 

- ضعف التشريعات التي تمنع من الاعتداء على الآثار والتنقيب غير الشرعي عنها، هذا بالرغم من وجود قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983م وتعديلاته المتتالية، فالتعديلات لم تعمل بجدية على تجريم التنقيب بشكل يمنع وقوعه.

- البطء الشديد والإجراءات الروتينية المملة التي تتبناها مؤسسات الدولة المنوط بها العمل على ضم وتسجيل المناطق والأراضي الأثرية لتكون في حوزة وزارة الآثار مما يعينها في العمل على تأمينها ومراقبتها. 

- ضعف وقلة عدد الحراسة التابعة لوزارة الآثار، والمخول بهم تأمين المواقع الأثرية والمناطق الواقعة تحت إشراف الوزارة. 

- ضعف وقلة عدد أفراد الشرطة والمخبرين السريين المخول بهم مراقبة مثل تلك الأعمال الإجرامية والإبلاغ عنها. 
 
كيفية مواجهة التنقيب غير الشرعي على الآثار:

وبالرغم من الواقع المؤلم لعمليات الحفر والتنقيب غير الشرعي عن الآثار المصرية، وبالرغم من أن الأسباب التي أدت إلى ذلك واضحة تماما؛ إلا أن الإجراءات التي تقوم بها الحكومات المتتالية من أجل القضاء على المشكلة، تكاد تكون منعدمة، أو على أقل تقدير نستطيع أن نقول؛ إنها ضعيفة لا ترتقي أن تكون حلولا حقيقية. 

ولذا فنحن هنا، نضع بعض الآليات والحلول الواقعية التي نرى ضرورة الإسراع نحو مناقشتها والعمل على تنفيذها، وهي تتضمن الآتي: 

-  العمل على توعية المواطنين بأهمية الآثار، وقيمتها التاريخية والحضارية، بكل حقبها المختلفة، مع ضرورة التركيز على أن التنقيب غير الشرعي جريمة أخلاقية وقانونية؛ تضر بالوطن وتاريخه وأمنه.

- الإسراع في تسجيل الأماكن الأثرية بالكامل، فتسجيلها يعمل على حمايتها. وهذا التسجيل ليس أمرا هينا فهو يحتاج جهدا كبيرا؛ يجب أن تتبناه الدولة، لأنه يتطلب دعما ماديا ضخما وكوادر بشرية عديدة. 

- يجب العمل وسريعا نحو تسجيل كل القطع الأثرية التي يثبت أثريتها؛ والتي يتم ضبطها خلال عمليات التنقيب غير الشرعي. فتسجيل وزارة الآثار لها يمنع أو يقلل من فرص تهريبها للخارج. 

- زيادة الحراسة المشددة على المواقع والمناطق الأثرية، وعمل دوريات أمنية للحد من انتشار الظاهرة، التي انتشرت في ربوع مصر بشكل مفزع.

- ضرورة إصدار فتوى واضحة من الأزهر الشريف، ودار الإفتاء للتفريق بين الركاز والآثار. ويمكن الوصول لفتوى صريحة؛ من خلال الاستفادة من بيانات دار الإفتاء المصرية المرتبطة بالموضوع،  وبيان شيخ الأزهر الذي جاء بمؤتمر "التجديد في الفكر الإسلامي" الذي انعقد في الفـترة من 2-3 جمادى الآخرة 1441هـ الموافق 27- 28 يناير 2020م، والذي ذكر في البند الـ 25 منه، أن: "الآثار موروثٌ ثقافيٌّ يُعرِّف بتاريخ الأمم والحضارات، ولا تُعدُّ أصناما ولا أوثانا - كما يَزعمُ أصحاب الفكر الضالّ- فلا يجوز الاعتِداء عليها ولا فعل ما يغيِّر من طبيعتها الأصلية، وهي ملك للأجيال كافة، تُدِيرها الدولةُ لصالحها، حتى لو عُثِر عليها في أرض مملوكة للأشخاص أو الهيئات، ويجب تشديد العقوبات الرادعة عن بيعِها أو تهريبِها خارج البلاد". 

كما يمكن تبني فتاوى سابقة في هذا الجانب؛ كفتوى الإمام الأكبر الشيخ، جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق، حول الحفاظ على الآثار وحرمة الاعتداء عليها الصادرة عام 1980م، حين كان مفتيا للجمهورية، والتي وضّح من خلالها أن الحفاظ على الآثار ضرورة ، وواجب. وبعيدا عن التأصيل الشرعي في كونه ركاز من عدمه؛ فالآثار تمثل تاريخا وحضارة، وفيها مصلحة عامة تعمل على رفعة البلاد وازدهارها، ولذا فمن الضروري أن تكون الفتاوى الشرعية متفهمة هذا الأمر جيدا.

- العمل على تشجيع المواطنين الذين يعثرون على الآثار بطريق الصدفة، نحو الإبلاغ عنها، من خلال رصد مكافأة مناسبة تحفزهم على ذلك. 

وعلى الرغم من أن قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 نص على وجود مكافأة لمن يسلم الآثار، في المادة الـ 24 منه؛ حيث نص على أن: "كل من يعثر مصادفة على أثر منقول، أو يعثر على جزء أو أجزاء من أثر ثابت فيما يتواجد به من مكان، أن يُخطِر بذلك أقرب سلطة إدارية خلال ثمانٍ وأربعين ساعة من العثور عليه، وأن يحافظ عليه حتى تتسلمه السلطة المختصة، وإلا اعْتُبر حائزا لأثر بدون ترخيص، وعلى السلطة المذكورة إخطار الهيئة بذلك فورا، ويصبح الأثر ملكا للدولة، وللهيئة إذا قدرت أهمية الأثر أن تمنح من عثر عليه وأبلغ عنه مكافأة تحددها اللجنة الدائمة المختصة"، بالرغم من ذلك فإن المواطنين لا يثقون في الحكومة وخاصة أنه لا توجد هناك أية سوابق شهيرة تثبت صدق الحكومة في تطبيق هذه المادة.

- ضرورة العمل على تعديل قانون حماية الآثار بشكل يمنع القيام بعمليات التنقيب غير الشرعي. فإنه وبالرغم من التعديلات المتتالية التي تعرض لها القانون، إلا أن الاقتراب من مواد بعينها لازال صعب المنال. 

- ضرورة العمل على تشريع يساعد في تقنين إنشاء المتاحف والمجموعات الخاصة، بحيث يستطيع كل من يمتلك قطعا أثرية؛ الحق في إنشاء متحف أو مجموعة خاصة للانتفاع بها، بعد تسجيلها في عداد الآثار، وإخضاع هذه المتاحف والمجموعات الخاصة لإشراف الآثار، وخاصة أن هذا التشريع موجود بكل الدول الأوربية ويتم الاستناد إليه في إقامة المتاحف والمجموعات الأثرية الخاصة.