مؤلف الرواية التي أزعجت إسرائيل| «كمال صبح»: مصر تساندنا منذ النكبة

كمال صبح
كمال صبح

«كمال صبح» روائى فلسطيني معاصر، من مواليد 1966، أصدر عدة روايات منها: «أسير الثلج»، و«أرتميس»، و«بداية مؤجلة»، ومجموعة قصصية بعنوان «سر النشيج»، وفى يونيو 2023 صدرت روايته «إيفانوف فى إسرائيل ..  شاهد على النكبة»، التى تناول فيها مرحلة احتلال فلسطين، وتاريخ العصابات الصهيونية التى مارست القتل والسرقة والتدمير لإرهاب الفلسطينيين، تحت حماية الانتداب البريطانى، ووعد «بلفور» الذى منح اليهود صك اغتصاب الأراضى الفلسطينية دون وجه حق، وكشفت أحداث الرواية عن زيف المجتمع الإسرائيلي القائم على تشجيع الهجرة إلى فلسطين، وتعرية الدعاية الصهيونية المبنية على التحايل، والإغراء، والكذب، وذلك من خلال شخصية بطل الرواية «إيفانوف»، وهى شخصية خيالية أبدعها «صبح» الذى عانى كثيراً فى التنقل، والمزج بين الواقع والخيال فى أحداث عمله الإبداعى، محدثاً ضجة كبيرة وإزعاجاً ملحوظاً فى إسرائيل، وشنت عليه الصحافة الإسرائيلية هجوماً عنيفاً مدعية أن الرواية مليئة بالأكاذيب وتشوه التاريخ.

وفى أكتوبر الماضى بدأ الاعتداء الصهيوني فصلاً جديداً من مخططات إبادة الشعب الفلسطيني في غزة وغيرها من الأراضى المحتلة، وفى لقاء خاص مع «الأخبار» فتح «كمال صبح» قلبه ليروى مشاهداته، ويحكى لنا حقيقة ما جرى ويجرى فى غزة، قائلاً: هذه الحرب ليست كسابقتها، إنها الحرب الأولى التى تُبث على الهواء مباشرة، بين ما تنشره المقاومة، وما يخرج من بين فكى مقص الرقيب الإسرائيلي، لذا فكل متابعٍ هو شاهد عيان، وتبقى الشهادة الحية أعمق وأكثر تأثيراً، هناك شاب خرج لقضاء حاجةٍ ما، فُقصف منزل أسرته أثناء غيابه، وبقيت قبورهم تحت الركام، وآخر فى غرفة الإنعاش يهمس فى أذن رفيقه «ليتنى أعرف مكان قبور عائلتي»، وسيدة تهرول بين الركام، لم تشعر بوخز الزجاج فى أقدامها الحافية، لكنها تتفقد حجابها بين الحين والآخر، تطالع كل الوجوه بحثاً عمن يشبه ابنها، وأولئك الذين تطوعوا لدفن الشهداء، أرادوا سحب جثمان أحدهم من تحت الأنقاض، فانقسم الجثمان الى نصفين، فى هذه الحرب كنت أشعر أن مدينتى «رفح» تضيق بالمارة وقت الذروة، إلا أننى أراها تحتضن مئات الآلاف من النازحين، ولم تضق بهم، بل احتضنتنا معهم، فى هذه الحرب، آلاف النساء ترملن، وآلاف غيرهن رحلن مخضبات بدمائهن، ودماء أبنائهن، أما باقى المدن فقد امتلأت بالقبور، ولم يعد فيها مُتسع للأحياء، ففروا بعد أن دفنوا شهداءهم فى ساحات المدارس، والطرقات، فروا من القبور التى تنتظر دورهم إلى رفح، فى هذه الحرب يُدفن الشهيد دون اسمٍ، ما جدوى الأسماء، وكل منا ينتظر دوره، كل منا يتملكه اليقين بأن اسمه الأزلي، هو «شهيد»، لا يمكن للكلمات أن تستوعب حجم الدمار والقتل والظلم.

◄ اقرأ أيضًا | مندوبان لتهنئة الأرمن الأرثوذكس و«الأدفنتست السبتيين»

◄ مصر .. الطمأنينة والأمل

ويضيف «كمال صبح» بقوله: كانت مصر وما زالت سداً يحتمى به الشعب الفلسطينى، حين تشتد الخطوب وتتعاظم المؤامرات، فكانت مبعثاً للطمأنينة، والأمل بأن الفلسطينى لا يقف على خط المواجهة وحيداً، ولطالما دفعت مصر فاتورة العدوان الصهيونى على فلسطين وساندتنا منذ حرب النكبة مروراً بالعدوان الثلاثي، وليس انتهاء بحرب النكسة التى امتزج فيها الدم المصرى مع تراب فلسطين، إذ حشدت كل مخزونها السياسى والدبلوماسى للدفاع عن القضية الفلسطينية فى المحافل الدولية، وأروقة المنظمات الدولية، مصر هى الدولة التى لا يشعر الفلسطينى بالغربة فيها حين يسير فى شوارعها، ويجوب مدنها، ولعل دفء المشاعر الوطنية التى تجدها لدى كل مصريٍ تجاه فلسطين، ومقدساتها، وشعبها، لم يكن إلا نتيجة لتاريخٍ حافل بالتضحيات التى قدمها شعب مصر من أجل فلسطين وما زال يقدمها.

◄ «إيفانوف فى إسرائيل»

ويمضى «صبح» قائلاً : رواية «إيفانوف فى اسرائيل»، الصادرة عن مكتبة سمير منصور للطباعة والنشر، تنتمى إلى المدرسة الواقعية، لذلك جاء السياق التاريخى كداعمٍ لأحداثها، وخلفية مسرحية لمراحل حياة الطفل «إيفانوف» الذى كان مُجبراً على اجتياز كل مراحل طفولته وشبابه بكل تعقيداتها الاجتماعية، والنفسية بخط موازٍ مع أحداثٍ عظيمٍة تغير معها وجه الأرض الفلسطينية، وقد تتبدل الأدوار فى بعض فصول الرواية بين واقع تاريخى حقيقى، وخيال إبداعى للأحداث اليومية التى رافقت هذا الواقع، من أجل تحقيق رسالة الرواية التى تسعى الى ترسيخ الفهم الحقيقى لأسباب الصراع، والاحتلال، الفكر الفلسطينى الساعى إلى حياة آمنة مطمئنة مع كل القوميات والأديان، والفكر العنصرى الإحلالى الذى تنتهجه الدولة الصهيونية، لذلك كان لابد من دراسة الجانب التاريخى الحقيقى كخلفية واقعية للرواية، ومن ثم حبكة درامية توضح ما لم يكتبه التاريخ عن الأساس الفكرى العقائدى «الإيديولوجى» الذى أحدث هذا التغيير الذى ما زلنا نعبر عنه باسم «النكبة»، وكفلسطينى أدرك أن كل ما يتعارض مع السياسة الإسرائيلية وكل ما يفند الرواية الصهيونية معرّض للانتقاد، والهجوم والمحاربة، وأدرك أيضاً أن القلم قد يكون أكثر تأثيراً من الطلقة فى بعض المراحل، لذلك كل ما كُتب عن الرواية كان مُتوقعاً، وللذهاب أبعد من ذلك، يُعتبر هجوم الصحافة الإسرائيلية على الرواية شهادة بأنها نجحت فى دعم، وتأصيل الرواية الفلسطينية.

«جروح على خد الكريستال»

وقد أنهى الروائى الفلسطينى كلامه مؤكداً: «منذ بداية الحرب أعكف على إنجاز رواية جديدة توثق الأحداث اليومية لهذه الحرب فى قالبٍ دراميٍ جديدٍ، يشارك فى صياغته الكثير من الشخوص، آمل أن أنجح فى إصداره قريباً وستكون رواية باسم «جروح على خد الكريستال».