«المَنخ» قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محيي الدين أبوبيه

الدكتور محمد محيي الدين أبوبيه
الدكتور محمد محيي الدين أبوبيه

عم (مكرم الجَمّال) لم يجد لنفسه رفيق ولا أنيس إلا (الناقة) التي يحمل عليها بضاعة أهل البلدة من الحقل إلى بيوتهم وإلى الأسواق دون كلل ولا ملل، ساعات تمر ليل ونهار تجمعهما وكأنهما عائلة واحدة، بعدما صار وحيدا بوفاة زوجه وسفر أبنائه الذكور وراء لقمة العيش وزواج بناته.

 يجمعهما ( المَنخ) يؤكلها ويشربها فيه وحتى النوم أعد لنفسه مكان بجوارها، لذا تعلمت منه كل شئ حتى تدخين السجائر، حلاقة شعرها أيضا تولاها دونما احتياج للقصاص.. تشعر بأنهما صارا وحدة واحدة.

 عندما رجع أحد أبنائه من غربته، وأراد الاستقرار وقعت عيناه على أركان (المنخ) وقد تزينت برأسه فكرة إحالته لـ( سوبرماركت) حيث يوجد في مكان بين حارتين، وصارح والده بذلك الذي رفض رفضا تاما.

 تداولت ألسنة الناس الخلاف القائم بعدما ساح الابن بكل مكان يشكو أبيه الجمال وظلمه وتفضيله الناقة عليه، فقد أخذ دفة الحيوان وراحته عن تلبية نداء العلاقة الإنسانية بين الأب والابن؛ شعر الناس بأن مكرم جار على حق ابنه وما ينبغي له أن يقسو عليه لهذه الدرجة، فهما حدث هذا ابنه والأقرب له عن تلك الناقة التي لن تنفعه إذا ذهب ابنه بعيدا عنه واغترب مرة أخرى، فحاصروه بكل مرصد ليرضخ لطلب ابنه، سدى ذهبت محاولته هو في إفهامهم  مدى الارتباط بينهم هم الثلاث( هو والناقة والمنخ) وفك هذا الارتباط يؤدي  لفقد شغف الحياة.

 مرت الأيام وكلٌ في طريقه، وازداد الطين بلة بوصول الابن الثاني من السفر، بعدما ضجت أسلاك التليفون بالكلام في الموضوع، فكلا الاثنين يريدان (المنخ) والأب يريده لناقته، أما الابن الثالث فقد جنح للسلم وعدم الخوض في الأمر.

 مرض عم مكرم مرضا شديدا على إثر منازعاته مع ابنيه، فحاصرته الهموم، لذا آثر أن يحمل ناقته ويرتحل بعيدا ويترك كل شئ لأبنائه يفعلون ما يريدون.

 أثناء هجرته ولا يدري أن يذهب، لم يتحمل آلام البُعد، آلام مرضه التي ازدادت، فاستراح بجانب إحدى الطرق بعدما أناخ ناقته بجواره، وقد احتضنته بين عنقها وساقيها، وبعدها لم يتحرك أبدا فقد فاضت روحه غاضبة تشكو الغُبن.