«أنا والجدران» قصة قصيرة للأديب سيف المرواني

الأديب سيف المرواني
الأديب سيف المرواني

إنني إنسانة تحاول أن تقاوم إرهاصات الزمن، فتجدني أسكن بين أهلي ولكنني لا أطيق أن أجلس معهم، شيء يجعلني أميل إلى العزلة، أذهب لأدخل غرفتي، أغلقت الباب علىّ، افتح النافذة لعل الهواء النقي يمكن أن يعطيني راحة أكثر، أتجول في الغرفة، أبحث عن شيء ما، عن لون السعادة، استمع لجهاز التسجيل فلا أعيره أي اهتمام بل سارحة.

 

 الغرفة تصرخ من كثرة دوراني بها أحسست بالتعب، جلست علي الكرسي وجدت أمامي ورقة مرسوم فيها وردة فوق الطاولة، أمسكت الورقة ضغطت علي القلم فلم يكتب شيئاً، لأن يدي ترتجفان وقلبي يعتصر من الألم، لم أجد علي الورقة سوي دموع انسكبت عليها فبللتها.

أنظر في جدران الغرفة أمامي لون الحائط  (البيج الفاتح) اشمئز من كل شيء أمامي، أرجع أنظر من النافذة مرة أخري فوجدت أن العالم قد عمه ظلام رهيب، سكون مخيم في كل الزوايا والأركان حتي الهواء النقي تحول إلي رياح وعواصف شديدة تجر معها الأتربة والغبار0

 

 صرخت صرخة عميقة جعلتهم يفيقون من نومهم ويهرعون إلى غرفتي فيقولون لي ما بك؟ فلا أجيبهم سوي بكلمات قليلة إنني بخير لم يحدث لي أي شيء، وزال الخوف من قلوبهم واطمأنوا علي ورجعوا من جديد إلي نومهم العميق ـ ولكني مازلت مستيقظة انهض من علي الكرسي،أبداً أطوف الغرفة ذهاباً وإيابا ملل يساورني، ألجأ إلي الورقة مرة أخري أحاول أن أسند ظهري أجلس منتصبة بجوار النافذة واضعة يدي اليسري علي خدي ذاهبة في تفكير طويل وفجأة خط قلمي كلمة (أحبك) وضعت حولها ألف علامة استفهام، ماذا حل بي هل هي ذكري !!أم ماذا تكون؟

تنهدت بآهة طويلة، عيوني تبحث عن الحقيقة بين جدران الغرفة وتحاورها تنشد الماضي العتيق، فأعياها التعب من صمتي ودوراني بها، كل منا يخيم عليه صمت مخيف كأنه لا وجود لأحد0

يتجه نظري تارة إلي النافذة وتارة داخل الغرفة وعيوني شاحبة تطيل الوقوف بدون حركة وفجأة لفت نظري صورة كانت معلقة علي جدران غرفتي كنت أحبها ولما رأيتها ظهرت هذه اللوحة غير تلك التي كنت أحبها، لوحة مشوهة باهتة مضي عليها الزمان، أمعنت النظر فيها وحدقت، لا تزال الصورة مهزوزة فاقتربت منها وزاد نفوري منها وضعت يدي عليها حاولت اقتلاعها لكنها أبت حيث كانت مثبتة بإحكام في الحائط، ولما عجزت عن تحركيها أمسكت بقلم ذي خط كبير كان موجودا بقربي، وبلحظة بدأت أشوهها كثيرا أغطيها بلون القلم الأسود، لقد أخفيت ملامحها ولا يوجد بها غير بقعة سوداء داكنة0

لقد حل بي التعب ووهنت وبدأت أعصابي تتراخي شيئاً فشيئاً وأحسست بدوار كبير ارتميت علي الكرسي منهكة القوي، لا أقدر علي الحركة، وضعت الوسادة بتثاقل تحت راسي لعلي أرتاح أو يأتيني النوم أصبح الكرسي يهتز تحتي ويتمايل يمنة ويسرة، أضأت النور الذي بجواري لكنه لم يضئ..

 بقيت  ساعات طويلة ولم يطرق جفني النوم، صرت أتصفح كتاب قلت ربما آتاني النوم وأنا أقرا في هذا الكتاب لكن مازال النوم مصراً علي أن يجافيني ويبتعد عني أعلن المؤذن أذان الفجر ودقت عقارب الساعة الخامسة من اليوم العاشر من ربيع وبلحظة لا شعورية انتصبت قائمة وأصبحت اسأل نفسي ماذا يكون هذا اليوم؟ فتذكرت لحظة شرودي ذلك اليوم الذي جعلني أعرفك وأحبك، صرت أبحث عنك أناديك ولكن ليس هناك من مجيب, ضعف صوتي وأصبح لا يسمع، أصرخ، لكن لم يعلم عن صراخي أحد، إنني مخنوقة وسقطت على الأرض مغشياً علىّ ولم أفق إلا وأهلي يحيطون بي من كل جانب يسالون ما بي؟ من هو الذي كنت أنادي عليه وأبحث, فأطلقت قهقهة طويلة فقلت لقد كان حلما وتبدد.

ذهبت إلى غرفتها ولبست فستان الفرح كأجمل درة يزهوها البياض ومن قلبها ضحكة نشوى وبدأت الابتسامة علي شفتيها وسقط قناع غربتها وتجددت ملامحها.