«فراشات» قصة قصيرة للكاتبة آمنة علوي

الكاتبة آمنة علوي
الكاتبة آمنة علوي

ضحكات رقيقه تستقبل الصباح لطفلة صغيرة تجرى هنا وهناك بمرح ونشاط

: أمي، قالتها الطفلة بصوت ضاحك متعجل

: اهدئي يا بنُيتي فالوقت لازال مبكراً

: سأتأخر يا أمي على رحلتي وصديقاتي ينتظرنني

: لم يأتِ أتوبيس رحلتك بعد

: هل حقيبتي جاهزة، هل نسيت أى شيء؟

: كلا .. كل شيء جاهز والآن اجلسي هذا وقت الفطور

: لا يهم سأفطر في الباص

: اجلسي افطري وأثناء ذلك سأقص عليكِ قصة جميلة

: لا وقت للقصص يا أمي كما أن القصص قبل النوم وإن قصيتيها سأتأخر

: أعدك أنكِ لن تتأخري ولن تندمي على الانتظار وسماعها

: حسناً يا أمي كلي آذان مصغية

: يُحكى أن، حديقة مزهرة تطير بها الفراشات برقة ونعومة بين الأزهار وفي إحدى أركان الحديقة كانت هناك فراشة تراقب صغيرتها وهي تخرج من شرنقتها لضوء النهار

: هل استغرقت وقت طويل للخروج؟

: كلا يا صغيرتي لكن لكل شيء وقت يناسب إنجازه، والفراشة الأم لابد أن تطمئن على ابنتها، هل أكمل القصة؟

: نعم يا أمى

: فجأه شعرت الفراشة الأم بأثر الوهن يتسلل إلى جسدها الضعيف، فنظرت إلى ابنتها الصغيرة وأشفقت عليها من ملاقتاتها مصاعب الحياة وحدها، فالمرض يشتد بالفراشة الأم يوما بعد يوم، وحان الوقت لتمد ابنتها بخلاصة تجاربها لتكون دليلاً ينير دربها قائلة:

: رقيقة أجنحتك ياصغيرتي، لن تحتمل هبوب الرياح، فلا زالت ضعيفة للغاية، لا تتعجلي وانتظري حتى يقوىٰ جناحَيكِ على حملك

: لكني خرجت من شرنقتي أخيراً يا أمي

: نعم ولازِلتِ ترتجفين، فقط قفي وانتظري

: إلى متى سأنتظر؟ لقد مللت، أريد التحليق الآن

: انتظرى حتى تتغلغل أشعة الشمس في أوردتك فتقوي جناحيكِ ويشتد عودك

: وهل هذا وقت كثير؟

: يعتمد هذا على حالة الطقس، وإحساس جسدك به

: لم أفهم

: عزيزتى الطقس الآن صحو بارد قليلاً، لذا أعتقد أنه يتوجب عليكِ الإنتظار هادئة بضعة دقائق

: لكن هذا كثير حقاً

: كلا هذا وقت يسير للغاية وبعدها لن يمنعك شيء عن التحليق كما تشائين

: حسناً حسناً سأنتظر على أحر من الجمر

: وأنا معكِ صغيرتي لأرشدك وأُسَرِي عنكِ

: أشكرك حقاً يا أمى شكراً جزيلاً

: على أي شيئ تشكريني هذا واجبي ياصغيرتي

تسأل الطفلة وهل تتكلم الفراشات؟

: نعم يا صغيرتي كل المخلوقات تتكلم لكن بلغتها الخاصة

: لكنى لم أسمعهم من قبل

: ربنا سبحانه وتعالى قال في سورة الإسراء، بسم الله الرحمن الرحيم ( تُسَبِحُ لَهُ السَّمَوَاتُ وَالأَرضُ وَمَن.فِيهِنَّ وَإِنْ مِن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِحُ بِحَمدِهِ  وَلَكِنْ لَا تَففَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُورَاً)

: صدق الله العظيم، يعنى يا ماما كل المخلوقات لها لغة وتتكلم بها وتسبح ربنا؟

: أجل بَنيتى حتى الصخور والزهور

: حسناً فهمت، ماذا قالت الفراشة بعد ذلك؟

: قالت: والآن كما أرى لقد قويت جناحاتك واكتسبت جمالاً مع أشعة الشمس وضوءها وسحراً أخاذ

:حقاً، كيف لى أن أرى جمالي الآن؟

:قريباً يا صغيرتي، حينما تحلقين فوق صفحة الماء سترين انعكاسك البهي

:لا أطيق صبراً حتى أراني

:بل لابد أن تنتظري قليلاً

:لماذا؟

:لتتعلمي بضعة أشياء هامة للغاية

:وما هي يا أمي

:العالم الفسيح يا بنيتي برغم جماله لا يخلو من المخاطر والمهلكات

:كيف ذلك وأنا أراه جميلاً فسيحاً؟

:نعم هو جميل وشديد الإتساع، لكن بالنسبة لنا نحن الفراشات هنالك الكثير والكثير من الأعداء

:لماذا يكون لنا أعداء ونحن نمثل الجمال والسلام؟

:هذه دائرة الحياة ياصغيرتي، أعداؤنا يتمثلون في الطيور وبعض الحشرات والزواحف وأيضاً بعض النباتات، والمفترس الأخطر على الإطلاق

:ما هو يا أمي؟

:البشر

الطفلة تسأل كيف أكون مفترسة خطيره يا أمي أنا لن آكل الفراشات

: نعم ياصغيرتي لكن بعض البشر يؤذونها ويطاردونها لمجرد اللهو أو الدراسة وحبسها في غير بيئتها

: أعدك يا أمي لن أفعل هذا؟

: وأنا أثق فى وعدك، سألت الفرشة أمها نفس سؤالك وقالت

: ماذا عن البشر؟

:إنهم يعشقون الجمال

:هذا رائع إذاً لما التهويل

:إنهم يعشقون الجمال حد الامتلاك، وهذا يقودهم للجنون فيأسرون ويقتلون بأيديهم كل ما هو جميل

:هذا مخيف للغاية يا أمى

:لا تخافي ياصغيرتي، فقط حلقي بحرص وابتعدي عن من حذرتك منهم

:حسناً يا أمى

:حلقي فوق الزهور اليانعة فواحة العطر، ففيها الغذاء الوفير، وإذا شعرتِ بالخطر، اختبئي عن الأنظار فهكذا نجاتك

:حسناً يا أمي سأتبع ارشاداتك وأطبقها حرفياً

:حبيبتى الصغيرة المطيعة هيا بنا الآن نبدأ بتحريك الجناحين لنطمئن عليهما

:هكذا، إنه شعور رائع

:تمهلي قليلاً، برفق، فهذه بداية فقط حركيهم ببطء

: حسناً هكذا

:نعم نعم هذا رائع، فلنسرع قليلاً بالتدريج دقائق قليلة ونبدأ بالطيران

:مرت بضعة دقائق وبدأتا في الطيران محمولتان فوق النسيم العليل، مقتربتان من البحيرة .

: أهذه أنا؟ يالا جمالي الأخاذ كم أنا ساحرة الجمال

: انتبهى لما حولك دائماً بنيتى ولا يُسلب عقلك فهذا فقط انعكاس صورتك على صفحة الماء

: أمي دعيني أتأمل جمالي قليلاً أرجوكِ

:حسناً فلتكن عينيكِ على صورتك البديعة وأيضاً على محيطك لا تنسى هذا مهما حدث

:كم أنا جميلة يالا أجنحتي زاهية الألوان

: جميلة أنتِ حقاً لكن لاهية غير منتبهة

:أمي أنتِ معي الآن لذا أنا مطمئنة

:وبعد قليل ستبدأين رحلتك في الحياة وحدك لذا انتبهي لما أقول فلن تتاح فرصتك هذه ثانية

:ألن تأتي معي يا أمي؟

:كلا بنيتي فقد انتهت رحلتي أو أوشكت

: ...

:لا تبكي فهذه سنة الحياة

: ...

:هيا صغيرتي الجميلة انطلقي وانتبهي واتركي أثرك كما تركت من قبلك واسعدي بكل دقيقة تمر عليكِ فالدقائق تمر سريعاً ولا تعود فاغتنميها

:حسناً يا أمى الحنون سأنفذ وصاياكِ ولن أنسى ولن أخذلك أبداً

:سلاماً إليكِ ويصحبك بُنيتي الرائعة، أتركك فى رعاية خالق الكون لتبدئي حياتك المنيرة بنفسك.

:هنا تنتهي قصة الفراشات ويتبقى السؤال هل فهمتِ المغزى من القصة يا بَنيتي؟