عاجل

من هو قريبى؟

د. القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر
د. القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

نحتفل فى هذه الأيام بذكرى ميلاد السيد المسيح، الذى كان علامة فارقة فى تاريخ البشرية. طيلة حياته عمل السيد المسيح على تحدى المفاهيم المغلوطة، وَاجَه الكراهية، وكَافَح ضد دعاوى التعصُّب والعنف. وتُقدِّم لنا حياة السيد المسيح وتعاليمه نموذجًا متفردًا، إذ تعامل مع كل قضايا المجتمع الذى عاش فيه وتفاعل معه.

وُلِد السيد المسيح وعاش فى مجتمع تفشَّى فيه التعصُّب، واستفحل فيه خطابُ الكراهية والتطرُّف؛ سيطر الجهل على العامة ولعبت أطراف الأزمة بهذا الجهل؛ وقف المجتمع اليهودى فى مأزق الرافض للآخر، وتحت وطأة الاستعمار الرومانى طفت على السطح إشكالية فى التعامل مع السلطة الرومانية، فكيف يمكن لشعب يؤمن أنه المختار من الله وأنه المنوط به أن يسود الأرض أن يتعامل مع هذا المستعمر؟ وصف اليهود كل من يخالفهم فى العقيدة بأنه «أممي»، ووصموه بأنه «نجس»، لكن الأصعب من ذلك كان خطاب الكراهية الموجه إلى السامريين على خلفية عداوة تاريخية عميقة بينهما..

 كان السامريون فى الأصل قبائل يهودية أيضًا انفصلت عن باقى المملكة فى ظروف تاريخية، بحث كل طرف منهما عن مصلحته على حساب أخيه، فصارت لكل منهما مملكة خاصة وهيكل عبادة خاص، ونتج عن هذا خلافات عقائدية وسياسية بين اليهود والسامريين، فصارت العداوة دينية وعرقية وإثنية أيضًا، وأصبح السامرى فى فكر اليهودى عدوًّا ألدَّ من الوثني.

فى خضم كل هذه الظروف، جاء خطاب المسيح مراعيًا للسياق المجتمعي، ومتفاعلًا مع قضاياه. أصر السيد المسيح على وضع المحبة والتسامح والعيش المشترك كأولوية أولى فى تعاليمه، وكان يستخدم فى سبيل هذا لغة بسيطة، تكلم بلغة الفلاحين والبسطاء، استخدم أمثالهم وحكاياتهم الدارجة لتعليمهم وإرشادهم، والتعبير عن أفراحهم وأتراحهم، استخدم السيد المسيح الأمثال لإنارة العقول والتعامل بقوة -لكن بثبات- مع أفكار بالية لتبديد ظلام ألبس المجتمع ثوب العنصرية والتعصب.

لعل ميلاد المسيح يذكرنا اليوم بهذا حتى نصل إلى ما تصوِّره ترنيمة الملائكة: «المَجدُ للهِ (خالق الكل) فى الأعالي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ (المبنى على المحبة والرحمة)، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ (الفرح والرجاء)».