بروفايل l حلمي بكر .. الثائر بلا هوادة

الموسيقار حلمي بكر
الموسيقار حلمي بكر

عمر‭ ‬السيد‭ ‬

بعد مشوار فني طويل، حافل بالنجاحات والصراعات، التي خاض أغلبها غيرة ودفاعا عن الفن الجاد.. يخوض الموسيقار الكبير حلمي بكر منذ فترة صراعا جديدا لكن هذه المرة مع المرض، بعد وعكته الصحية الأخيرة التي تفاقمت آثارها خلال الأيام الأخيرة الماضية، حتى افقدته قدرته على الحركة، مما استدعى لنقله مجددا لإحدى المستشفيات التابعة للقوات المسلحة، لمتابعة حالته - التي لازالت غير مستقرة حتى مثول المجلة للطبع - وإتمام إجراءات علاجه على نفقة الدولة - حسبما أعلنت زوجته قبل أيام - تقديرا لمسيرته الفنية الطويلة التي رافق خلالها أبرز نجوم الأغنية بدءا من “العندليب” عبد الحليم حافظ، ومرورا بمن تبعوه.

تعددت وتنوعت إسهامات الملحن الكبير بين عدة أجيال، بين جيل الرواد الذين نشأ بينهم سواء كانوا موسيقيين أو شعراء أو حتى المطربين، وبين من تبعهم وحمل لواء الحداثة والتجديد علي مستوى الساحة الغنائية فيما بعد.

وسط الكبار

ولم يكن غريبا عليه ما كان يتمتع به من حضور ورؤية نقدية واسعة داخل الوسط الموسيقي، حتى بعد أن ابتعد عنه وترك مجال التلحين، خاصة وأن له تجربة فريدة منذ البدايات، مكنته من مصادقة عدد كبير من عمالقة الفن والاحتكاك بهم وبخبراتهم، إضافة إلى حبه الدائم للتمرد وباستقلالية في الرأي.

بزغت موهبته مع ثاني تجاربة الفنية مع أغنية “لا يا عيوني” والذي قدمها للمطرب ماهر العطار، ونالت قدر كبير من النجاح آنذاك، وعلى أثره ذاع صيته بدأت شهرته تزداد داخل المجال الموسيقي بشكل كبير، خاصة وأن أولى تجاربه بالمجال الموسيقي مع الإذاعة المصرية من خلال أغنية “كل عام وأنتم بخير”، التي لحنها بطلب من رئيس الإذاعة المصرية آنذاك محمد حسن الشجاعي بعد أن قدمته له الراحلة وردة وأثنت على موهبته، حيث يذكر أن لقائهما الأول كان أثناء إحياء وردة الجزائرية لأحد حفلاتها بالقوات المسلحة في فترة قضاء حلمي للخدمة العسكرية، حيث تحمست لموهبته بدرجة كبيرة .

قدم الموسيقار حلمي بكر رصيدا فنيا كبيرا من الألحان والموسيقى الخاصة بالعديد من الأعمال، حيث بلغت إسهاماته في المجال الموسيقي لما يزيد عن 1500 لحنا موسيقيا، قدمها لكبار نجوم الساحة الغنائية، منهم القدامى كالراحلة ليلى مراد ووردة وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة، لكن تبقى رحلته مع “العندليب” هي الأكثر غرابة، إذ جمعته به علاقة صداقة قويه وخاصة في فترة مرضه الأخيرة.

“رحلة مع العندليب”

 وبمرور الوقت اسفرت هذه الصداقة وقدر التفاهم الذي ولد بينهم عن عدد من المشاريع والتجارب الغنائية زادت عن 6 أغنيات جمعت بين “العندليب” وبكر، إلا أن جميعها لم تر النور باستثناء أغنية واحدة، قدمها “العندليب” في إحدى المناسبات الخاصة بالخليج، ولم تحظى حتى بتقديم “العندليب” لها أمام الجمهور، تلك التجربة التي ذكرها الملحن الكبير في وقت سابق لـ”أخبار النجوم”، قائلا: “قدمت للعندليب ما يزيد عن 6 ألحان تقريبا، كانت أول أغنية للملك الحسن وآخرهم أغنية (فرح)، وكلها كانت أغنيات لم يحالفها الحظ في الطرح، ومنها أغنيات كانت لأعياد ومناسبات سبا خاصة في ببعض دول الخليج.. وقد ظهرت أغنية واحدة فقط من الأغنيات قدمها (العندليب) في إحدى مناسبات بالخليج، وهي بعنوان (الليلة يحلى السهر) كلمات محمد حمزة، كما ظهرت أغنية أخرى خاصة بدولة المغرب”.

بالإضافة لذلك، خاض بكر تجارب عديدة ومختلفة مع جيل آخر من المطربين، منهم محمد الحلو وعلي الحجار ومدحت صالح والسورية أصالة وغيرهم من نجوم الساحة المصرية والعربية، وتعددت تجاربه مع الأجيال الشابة إلى أن جاءت رائعته مع أوبريت “الحلم العربي” عام 1998، وشاركه فيها الملحن الكبير صلاح الشرنوبي والكاتب مدحت العدل والموزع الموسيقي حميد الشاعري.

“نقلة نوعية”

وبقدر إسهاماته علي الساحة الغنائية، قدم حلمي بكر للمسرح المصري العديد من التجارب التي قدمت نموذجا ونمط مختلف تأسست معه قواعد ودعائم المسرح الغنائي الحديث، من خلال كم الأعمال التي قام بوضع الموسيقى الخاصة بها، والتي بلغت 48 عرضا مسرحيا من بينها “سيدتي الجميلة” و”حواديت” و”موسيقى في الحي الشرقي”، ورغم تعدد أعماله الموسيقية للمسرح لكن تبقى دائما “سيدتي الجميلة” المأخوذة عن النص العالمي “بجماليون” للكاتب العالمي الشهير جورج برنارد شو، أكثرهم تفرد وشهرة، والذي اجتمع عليه كل من سمير خفاجة وبهجت قمر وفؤاد المهندس والمخرج حسن عبد السلام في أوائل الستينيات، وقدموا لأول مرة نمط مختلف من الأعمال المسرحية، التي لم يكن يشهدها المسرح من قبل، وأصبحت واحدة من أهم العروض المسرحية في تاريخ المسرح.

“معارك وصراعات”

لم يقتصر حضور وتواجد الملحن الكبير داخل الساحة الغنائية على حد عمله كملحن فقط، وأنما لعب دورا كبيرا كمرجعا موسيقيا ومحلل للكثير من الظواهر الموسيقية التي طرأت على الساحة خلال العشرين عاما الماضيين، ولا سيما أنه يتمتع بحس نقدى في رصد الإيجابيات والسلبيات، وتلك الآخرة كانت سببا في دخوله العديد من المعارك والصراعات مع كثيرين من نجوم وصناع الأغنية، وخاصة من جيل الشباب، دفاعا عن الفن الجاد وحفاظا ومستوى الأغنية العربية التي لم يكن يرضي بما آلت إليه في كثير من الأوقات، ولعل أبرز معاركه تلك التي خاضها ضد ظاهرة المهرجانات الغنائية مقدميها بعد أن رفض الإعتراف بها وبمن يقدمها كمطرب، وكان أول من أطلق عليهم لقب “مؤيديين”.

إقرأ أيضاً : تطورات الحالة الصحية للموسيقار حلمي بكر.. ملتزم بخطة العلاج

;