مصرع عائلة كاملة.. والمتهم تسريب غاز

محمد برفقه أولاده
محمد برفقه أولاده

الشرقية‭: ‬إسلام‭ ‬عبد‭ ‬الخالق

  يظل الموت هو الحقيقة الأشد وضوحًا والأكثر جلاءً فى تاريخ البشرية؛ فهو الثابت والراسخ رغم كِبر طموحات بنى الإنسان، لا سيما وأن هناك من يشكو ضجر الحياة وآخرون قد يسأمون من رغدها، إلا أن الشاهد الحقيقي فى الحياة أنها رحلة قصيرة مهما طالت، لكن قليلين من يلحظون ذلك أو يتوقعونه، وبين دروب أهل الدنيا قصص أليمة جعلت من بينهم أهلًا للموت وأصحابه، وبين هؤلاء «محمد عشماوي» وأسرته الذين رحلوا فى صمت ولم تُفصح الأسباب عن رحيلهم إلا بعد ساعات تقترب من تمام اليوم ، أو تزيد..

قبل سنواتٍ تناهز الخمسة عشر، كانت بداية رحلة «محمد» الأخيرة حين ساقه القدر لأن يترك مسقط رأسه الذي نشأ فيه وسط منطقة عين شمس في محافظة الشرقية ويبتعد نحو خمسين كيلو متر مربع ليستقر وسط مدينة مشتول السوق التابعة لمحافظة الشرقية، ويُقرر أن يُدرج اسمه بين سجلات المتزوجين بعدما اختار فتاة تصغره بأربعة أعوامٍ اسمها «أسماء» عروسًا له.

على مدار سنوات زواجه لم يُعرف عن «محمد» ثمة أشياء خبيثة أو مشبوهة؛ فهو الذي كان مثالًا للرضا بين أهل المنطقة وصلة الرحم بين زوجته وأهلها في مساكنهم التي تبعد أمتارًا قليلة عن مسكنها، ووسط هذا الجو المطمئن عاش «محمد» وأسس وزوجته أسرتهما البسيطة ورزقهما الله من الأبناء أربعة (نورسين 12 سنة - عُدي 10 سنوات - ريتال 7 سنوات - كارما 3 سنوات).

عاشت الأسرة البسيطة في سعادة رغم ضيق ذات اليد وعمل الأب في مجال صناعة المشروبات الساخنة عامل في مقهى حتى أن وصف رضاه ذلك بات واضحًا للجميع، يعيش اليوم بيومه ولا يشكو من الحياة مهما حدث، وفترة بعد الأخرى نجح «محمد» بأسلوبه المهذب وكلماته الطيبة أن يحتفظ بسيرته الطيبة بين الجميع ولا يذكره الناس إلا بما رأوه منه من خير ورضا.

الصدمة

مرت السنوات عزيزة على الجميع حتى جاء صباح يوم الاثنين الماضي، عندما عُثر على «محمد» وزوجته وأطفالهما الأربعة موتى داخل مسكنه البسيط داخل إحدى الحارات الموجودة وسط بندر مركز ومدينة مشتول السوق.

مشهد النهاية كان مؤلمًا بحق، حسبما تروي «مروة» شقيقة الزوجة لـ «أخبار الحوادث»؛ حيث أكدت أن أحد الجيران كان قد أخبر والدتها بأن زوج ابنتهم «محمد» متغيب منذ ساعات وباب الشقة مغلق وصوت التلفاز عالي دون مُجيب لنداءاتهم أو طرقاتهم باب الشقة، لتهرع شقيقتها «هيام» وأسرة الزوجة وبعض أهليتها إلى المسكن، وهناك تم كسر زجاج المسكن والدلوف إليه لتفاجأ شقيقة الزوجة بـ بنت شقيقتها الصغرى مُسجاة أرضًا وقد فارقت الحياة، وعلى بعد خطوات منها جثة شقيقتها الصغيرة في وضعية مماثلة إلى حد كبير، قبل أن تلاحظ الأخت خروج قدم شقيقتها على عتبة باب الحمام على بُعد خطوات كذلك من جثتي طفليها، وفي الغرفة القريبة من الحمام كانت جثتا الطفلين الآخرين إحداهما فوق السرير والثانية تكاد تقع أرضًا، قبل أن تتوقف «هيام» عن مطالعة ما وجدوه وتوقفوا عن استبيان المكان والجثث ليهاتفوا الشرطة، التي حضرت قواتها على الفور لتبدأ أعمال الفحص لبيان سبب ما جرى وكيفية حدوث الوفاة.

أحد شهود العيان وقت العثور على جثث الأسرة داخل مسكنه قال لـ «أخبار الحوادث» إنه قد تم العثور على عصفورين نافقين داخل القفص في الشقة وقت اكتشاف جثث أهل الشقة الموتى، لافتًا كذلك إلى أن أسطوانة البوتاجاز الخاصة بالسخان الموجود في المسكن كانت فارغة وقتها.

امام المشرحة

ساعات قليلة فصلت بين العثور على الجثامين الستة وبين تجمع الأهالي والأهل والأقارب في الساحة الموجودة بمحيط مشرحة مستشفى مشتول السوق المركزي، وهناك دارت الأحاديث وسالت الدموع من أعين الغالبية وهم يبكون اسرة بسيطة لم يعرفوا عنهم سوى كل خير، حتى أن أحد الواقفين قال لمراسل جريدة «أخبار الحوادث»؛ إن «محمد» كان طيبًا إلى درجة من الصعب أن تصفها الكلمات، مضيفًا: «الله يرحمه كان طيب أوي وطول عمره راضي بحاله وحياته، وكتير قليل كان عايش باللي ربنا بيرزقه بيه».

يُقسم أهل المنطقة ممن كانوا بجوار مشرحة مستشفى مشتول السوق المركزي أن الراحل الذي عاش بينهم لسنوات لم يرووا له أهلًا أو تجمعهم الصدفة برؤيته رفقة أشقائه يومًا، بيد أن «عبدالنبي» شقيقه الأكبر أكد لـ «أخبار الحوادث» أن شقيقه كان طيبًا إلى أبعد مدى يمكن وصفه، وأنه - أي محمد - كان قد طلب منه قبل أيام من وفاته أن يذهب إليه في مشتول السوق ويمكث لديه بعض أيامًا ينسى خلالها هم الدنيا التي أوجعته وأعلن عن ذلك لشقيقه الراحل خلال حديثهما الأخير تليفونيًا، إلا أن الشقيق الأكبر لم يلب طلب شقيقه ولم يأت إلى مشتول السوق إلا قبل ساعات ليودع جثامين شقيقه وأسرته التي رحلت في يومٍ واحد وساعةً واحدةً.

البلاغ

بلاغ الواقعة الذي حمل رقم 3741 إداري مركز شرطة مشتول السوق لسنة 2023، أفاد بأنه قد عثر على كل من: «محمد عشماوي محمد عشماوي» شاب يعمل في مجال المشروبات الساخنة عامل، عمره 37 عامًا، وزوجته «أسماء نبيل عزت» ربة منزل تبلغ من العمر 33 عامًا، وأبنائهم «نورسين محمد عشماوي محمد عشماوي» 12 سنة، و«عُدي محمد عشماوي محمد عشماوي» 10 سنوات، و«ريتال محمد عشماوي محمد عشماوي» 7 سنوات، و«كارما محمد عشماوي محمد عشماوي» 3 سنوات، جثث هامدة داخل مسكنهم في بندر مركز شرطة مشتول السوق.

فور ورود البلاغ، انتقلت قوات الشرطة في مركز شرطة مشتول السوق ورجال فرع البحث الجنائي في قطاع جنوب الشرقية إلى موقع البلاغ؛ إذ أفادت المعاينة والتحريات الأولية بأن الضحايا الستة قد فارقوا الحياة جراء إصابتهم بحالات اختناق سببها حدوث تسريب من غاز السخان في المنزل؛ حيث فارق الزوجان وأطفالهما الأربعة الحياة داخل مسكنهم دون أن يشعر بهم أحد وتم اكتشاف الواقعة والعثور على الجثامين بعد عدة ساعات من قِبل أهلية الزوجة، وبالعرض على النيابة العامة في مركز شرطة مشتول السوق قررت نقل الجثامين إلى مشرحة مستشفى الأحرار التعليمي في مدينة الزقازيق وانتداب الطب الشرعي لإجراء الصفة التشريحية لبيان سبب الوفاة وكيفية حدوثها، وطلبت تحريات المباحث حول الواقعة وملابساتها، وصرحت بالدفن عقب الانتهاء من الإجراءات القانونية اللازمة، فيما أدى المشيعون صلاة الجنازة على الجثامين الستة فور وصولهم، وذلك داخل مسجد البقيع مساء الثلاثاء الماضي، قبل تشييعهم إلى مثواهم الأخير ودفنهم في مقابر البندر وسط مشهد جنائزي مهيب.

إقرأ أيضاً : ضحية خناقة لم يكن طرف فيها .. طلقة فى قلب سيف


 

 

 

;