أصل الحكاية | «أبيدوس» قبلة الفراعنة و«الأرض المقدسة» في مصر القديمة

أبيدوس
أبيدوس

دراسة آثرية للباحث باسم سليمان أبو خرشوف إبن عرابة أبيدوس بمحافظة سوهاج ترصد تاريخ الأرض المقدسة وأهم آثارها وبها الأوزريون الذى يعد أعلى تذكرة دخول فى العالم 20 ألف جنيه مصرى والمسجل على جدرانه أغلب الكتب الدينية ويحتوي على نسخة كاملة لكتاب الموتي.

ويشير الآثارى باسم سليمان أبو خرشوف إلى أن تاريخ أبيدوس غير معروف تحديدًا فهي ذات ماض سحيق يرجع لآلاف السنين، باعتبارها موطن وجبانة منذ عصور ما قبل التاريخ، بها أيضا مقابر الأسرتين صفرين و صفر كالملك العقرب والملك كا والملك العقرب الثاني وغيرهم، وفي عام ٣٦٠٠ قبل الميلاد كانت في أبيدوس أول حروف كتابية في العالم أجمع وهي (بطاقات أبيدوس العاجية) والتي اكتشفت ١٩٨٨ علي يد العالم الألماني دراير. 

المعبود خنتى:

وينوه باسم سليمان إلى وجود أقدم معبد بني للمعبود خنتي امنتيو في كوم السلطان بأبيدوس من الأسرة الأولي وتطور حتي السادسة مع زيادة الأهمية في عصر الأسرة السادسة، وأعاد الملك بيبي الثاني بناء معبد خنتي امنتيو في الدولة الوسطي، وأصبح الإله اوزير هو الإله الرسمي للدولة، فزاد الاهتمام بأبيدوس أكثر، وأنشأ الملوك المقاصير للتعبد مثل مقصورة الملك منتوحتب الثاني. 

قبر رمزى :

ومع بداية الدولة الوسطي ظهرت فكرة إقامة قبر رمزي لأوزير كمثال القبر الرمزي الذي بناه الملك سنوسرت الثالث تحت الجبل الغربي كأوزريون، و أيضا الملك امنمحات الثالث، وأكثر من اهتم بأبيدوس من ملوك الدولة الوسطي هما الملكان امنمحات الثالث و سنوسرت الثالث، وبداية من الأسرة السادسة بدأ الناس يأتون بتماثيل و لوحات أو مومياء المتوفي إلي أبيدوس.

كل إنسان حي أو ميت لابد أن يزور و يحج بأبيدوس و إذا كان لا يقدر علي الحج يقوم بنحت لوحة تخلده هو وأسرته وهو يقدم القرابين و يرسلها مع أحد الحجاج إلي أبيدوس.

طريق الحج

ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، الضوء على هذه الدراسة موضحًا أهمية طريق الحج إلى أبيدوس، وقد منع إقامة أى إنشاءات علي جانبي طريق الحج، وكان هناك آلاف اللوحات مثبتة علي جانبي الطريق، وفي فترات الضعف والتقلبات التي تلت الدولة الوسطي ظلت أبيدوس لها مكانة دينية كبيرة، و كان يدفن فيها الملوك المحليين والأبطال المحاربين والشهداء في حروب تحرير مصر من الهكسوس مثل الملك سنب كاي أول شهيد ضد الهكسوس.

الدولة الحديثة

أنشأ أحمس الأول هرمًا في أبيدوس تخليدًا لذكري والدته تتي شيري و بني قبر رمزي لأوزوريس و بحيرة صناعية و حديقة واسع حولها، وفى الأسرة 18 زاد الاهتمام أكثر و أكثر، حيث أقام الملك تحتمس الثالث سور ضخم حول المنطقة المقدسة في كوم السلطان في أبيدوس، وفى الأسرة 19 أقام الملك رمسيس الأول معبدًا صغيرًا في أبيدوس بجوار معبد ابنه الملك سيتي الأول، حيث قام الملك سيتي الأول ببناء معبدًا من أجمل و أعظم معابد مصرمن الحجر الجيري المجلوب من طره.

وأقام الملك سيتي الأول قبر الأوزريون الرمزي لأوزير وأقام بحيرة صناعية كبري أمام المعبد و شق ترعة تصلها بنهر النيل، وقد استغرق إنشاء المعبد 11 عام حتي توفي سيتي الأول وأكمله ابنه رمسيس الثاني، وأقام الملك رمسيس الثاني أكثر من معبد في أبيدوس، منها معبده الذي بدأ في إنشائه بعد توليه العرش مباشرة واستخدم الحجر الرملي وأكمل معبد والده به وأيضا استخدم حجر الكوارتيز الأحمر.

وقد نحت أبناء و خلفاء رمسيس الثاني أسماءهم علي قواعد وأسفل جدران الحصن الذي كان أمام معبد الملك سيتي الأول حيث اهتم كل منهم بأبيدوس و استمروا في تقديم القرابين وإقامة الطقوس الدينية في أبيدوس مثل الملك مرنبتاح والملك رمسيس الثالث و الملك رمسيس الرابع.، واستمر التعبد فيه حتى نهاية الأسرة 25. 

نظرية رحيل أوزوريس 

ويتابع الدكتور ريحان، من خلال الدراسة، أنه مع بداية الأسرة 26 في عصر الملك أحمس أمازيس أراد تأمين حدود مصر الجنوبية فاخترع الكهنة نظرية تقول أن أوزوريس الساكن في أبيدوس ضج و مل من الضوضاء الشديدة بها وأراد الرحيل عنها، فرحلت روحه علي هيئه طائر وخرج معه جسده على ظهر تمساح و بحثوا عن مكان آخر في الجنوب حتي استقرت الروح في جزيرة بجة بجوار فيلة و الجسد في وسط الجزيرة، ثم رحلت ايزيس خلف زوجها إلي فيلة بجوار زوجها في الجزيرة المقابلة، و رحل الناس بعد ذلك إلي الجنوب واعتنق أهل النوبة ديانة أوزير.

في ذلك الوقت قلت الكثافة السكانية في أبيدوس وأصاب المعبد الإهمال و الضرر، وازداد الإهمال في العصر المتأخر وأغلق تمامًا في بداية العصر البطلمي،  وآخر من اهتم بأبيدوس من ملوك مصر القديمة هو الملك نختنبو الثاني من الأسرة 30 حيث أقام معبد في كوم السلطان وأقام عدة مقاصير للتعبد.

حدثت ثورة في عهد بطليموس الرابع في الصعيد و طرد البطالمة من الصعيد، حتي جاء بطليموس الخامس واستطاع السيطرة مرة أخري علي الصعيد كان ذلك النص مكتوبًا في المعبد وللأسف تدمر و اختفي مع الزمن و كتب بالخط القبطي قبل دخول المسيحية لمصر ب 200 سنة، أي أن الخط القبطي عرف واستخدم في مصر قبل ذلك بكثير، وزار هيرودت ابيدوس و دخل المعبد، وزارها المؤرخ بيليني و ذكر أنه من أعظم معابد مصر .

وفي عهد الإمبراطور الروماني جستنيان الأول (483 – 565م) أمر بقتل الكهنة الموجودين في أبيدوس، وأعلن أن هذه المنطقة خالية من العبادة الوثنية و هنا انتهي ذكر أبيدوس تمامًا من التاريخ، فيما بعد تأسس دير القديسة دميانة في جنوب أبيدوس و كان ديرًا كبيرًا لسكن عددًا من الرهبان في قدس الاقداس و المذبح و بنوا صوامع خلف المعبد، ثم طمرته الرمال بعد ذلك، وفي عام 1798م ، زمن الحملة الفرنسية وصفوا آثار أبيدوس في الجزء ٢٣ من مجموعة وصف مصر، ثم جاء العالم مارييت 1851م ليقوم بعمل حفائر علمية في المعبد، وتم بعده اكتشاف المعبد.

آثار أبيدوس

ويوضح الدكتور ريحان أن دراسة الآثارى باسم سليمان أبو خرشوف رصدت المعالم الأثرية  بأبيدوس "ايب جو" فى مصر القديمة، وتعنى الأرض المقدسة أرض الحج عند المصريين القدماء، ولد ونشأ ودفن بها المؤسس والموحد للقطرين الملك مينا أو نعرمر، بها مقابر أم الجعاب أو القعاب، حيث مقابر الأسرتين الأولي والثانية، بها مبني شونة الزبيب من أقدم مباني العالم بناه الملك خع سخم وي آخر ملوك الأسرة الثانية ووالد الملك زوسر، بها أقدم مراكب للشمس، 14 مركب مدفونة حول شونة الزبيب من عصر الأسرة الأولي والثانية، بها آثار من عصور ما قبل التاريخ و آثار من الفترة القبطية .

كما تضم معبد الملك سيتي الأول والنحت البارز أجمل معابد مصر والذى أكمله ابنه الملك رمسيس الثاني بالنحت الغائر، وهو المعبد الوحيد الذى يحتفظ  بأغلب أجزاء السقف حتي الآن ويحتفظ بألوانه الجميلة بحالتها الأصلية، وكان المعبد علي محور واحد وحدثت تعديلات وإضافات فأصبح يشبه حرف L، وهو المعبد الوحيد الذى يشمل سبع  مقاصير للآلهة.

كما يوجد بأبيدوس مقبرة الأوزريون الرمزية المبنية من الجرانيت الوردي وهى مقبرة فريدة جدًا في الحضارة المصرية القديمة وزهرة الحياة والمياه الموجودة فيها والنصوص والكتب الدينية المختلفة المسجلة علي جدرانها.

كما يوجد معبد رمسيس الثانى مسجله عليه معركة قادش وبه مقصورة كاملة من المرمر، ومعبد القرد المخصص لعبادة الإله جحوتي رب العلم والحكمة ورمزه قرد البابون، وكذلك منطقة كوم السلطان أقدم مدينة في الحضارة المصرية القديمة، وأقدم  بناء بالطوب اللبن وأقدم معبد مخصص لعبادة الإله المحلي خنتي امنتي أمير الغربيين، والذى اكتشف به التمثال الوحيد للملك خوفو، ارتفاعه 7.5 سم من العاج.