عام التحدى والإضرابات..

9 مليارات دولار تقتنصها السينما الأمريكية.. وكلمة السر «باربنهايمر» في 2023

لقطة من «باربى»
لقطة من «باربى»

رغم التفاؤل الشديد الذى سيطر على صناع السينما الأمريكية فى بداية ٢٠٢٣، وتأكيد الخبراء ومديرى الاستوديوهات الضخمة فى هوليوود أنه عام تعويض الخسائر، ونفض الغبار العالق بالصناعة بعد وباء كوفيد، وهزيمة شبح الإفلاس الذى خيم على شركات عديدة، وأثر بشدة على شركات دور العرض التى اضطر بعضها للخروج من الخدمة فى العامين الماضيين.

إلا أن السينما الأمريكية لم تحقق الهدف المعلن وهو عشرة مليارات دولار، بالكاد وبصعوبة أتمت تسعة مليارات، رغم زيادة أسعار التذاكر حوالى ١٥% عن العام الماضى الذى حققت فيه سبعة مليارات ونصف مليار تقريبا، وهو ما يعنى أن الزيادة وهمية، وهو ما جعل الخبراء يتوقعون تراجعا ومزيدا من الارتباك هذا العام ٢٠٢٤.

بدأت السينما الأمريكية ٢٠٢٣ بجرعة مكثفة من الدعم والتفاؤل بعد تراجع خسارة أسهم شركات دور العرض وفى مقدمتها AMC، وإعلان عدد من الاستوديوهات عن تحقيق تقدم فى الأرباح مقارنة بالأعوام السابقة منذ بداية جائحة كوفيد، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى هوليوود واستوديوهاتها العملاقة، فمع الربع الثانى من العام وقبل بداية موسم الصيف الذى تعول عليه السينما الأمريكية كثيرا لجنى المكاسب، أعلنت نقابة كتاب أمريكا الإضراب فى ٢ مايو، ولحقت بهم على خط النار نقابة ممثلى الشاشة لتقضى على طموحات الاستوديوهات فى تحقيق الهدف الذى تم وضعه مسبقا لعام ٢٠٢٣ وهو عشرة مليارات دولار، أصاب الإضراب المزدوج هوليوود بشلل جزئى، واضطرت بعض الاستوديوهات إلى تأجيل بعض أفلامها ضخمة الإنتاج للعام الحالى، وساد الغضب والضباب المشهد فى هوليوود، خاصة مع تمسك تحالف المنتجين بالعناد مع النقابتين، رغم مطالبهما المشروعة لزيادة الأجور وزيادة المعاشات ونسبة مشاركة الاستوديوهات فى التأمين الطبى، وتعويضات عادلة عن إعادة بث الأفلام أو البرامج التليفزيونية، غير ضوابط صارمة للاستعانة بالذكاء الإصطناعى يتم النص عليها فى العقود الجديدة.. بالكفاح النقابى ووحدة الصف حققت النقابتان مطالب أعضائهما، ولكن بعد عدة أشهر، حيث انتهى إضراب الكتاب فى نهاية سبتمبر، فى حين لم ينه الممثلون إضرابهم إلا بعد اتفاق تاريخى أعلن فى الأسبوع الثانى من نوفمبر.

خيبة الخوارق !

شهدت هذه الفترة العصيبة حظرا صارما للممثلين والكتاب بالمشاركة فى الترويج لأى إصدار مهما كان وتم استثناء الأفلام المشاركة فى المهرجانات الدولية أو الأفلام المستقلة، وهو ما أثر بشدة على الإيرادات خاصة الأفلام الجماهيرية التى راهنت الاستوديوهات عليها وخيبت آمالها، منها أفلام الخوارق والأكشن ، مثل «Marvels» و» Maission Impossible- Dead Reckoning» و»Indiana Jones and the Dial of Destiny» وغيرها من أفلام ضخمة خيبت التوقعات.

دمية تتحدى أوبنهايمر

وكانت المفاجأة هى ما حققه «باربى» لجريتا جيروينج و»أوبنهايمر» لكريستوفر نولان اللذين تم عرضهما فى نفس التوقيت وبالتزامن مع بداية الإضراب، إلا أنهما حظيا بإقبال جماهيرى ضخم محليا وعالميا، ووصلت إيراداتهما لأرقام لم تحققها السينما الأمريكية إلا قبل الجائحة. تجاوزت إيرادات الموسم الصيفى أربعة مليارات، للفيلمين ما يقرب من نصفها (أكثر من مليار وسبعمائة مليون دولار).

واستمر نجاح الفيلمين عدة أشهر، لكل فيلم فريقه وألوانه الخاصة.. دون توجيه ارتدى الجمهور من كل الأعمار اللون الوردى أو الأسود، وتبادل الفريقان الألوان والاصطفاف فى الطوابير لكل قاعة، وبدأت على مواقع التواصل الإعلامى معارك مضحكة بين الفريقين، وانطلقت ظاهرة الباربنهايمر، غير الموجهة فعلا، لكنه الجمهور الذى اختار وأنصف، رغم تفاوت المستوى الفنى والفكرى بين الفيلمين، إلا أنهما لم يتنافسا على الإيرادات فقط، ولكن على الجوائز أيضا!
فى أمريكا، تصدر «باربى» الإيرادات متجاوزا ٦٣٦ مليون دولار، ومليارا وأربعمائة واثنين وأربعين مليون دولار عالميا، وجاء بعده فى المركز الثانى «سوبر ماريو براذرز» محققا ٥٧٥ مليون دولار تقريبا فى أمريكا، ومليارا وثلاثمائة وواحدا وستين مليون دولار عالميا، وفى المركز الثالث جاء «سبايدر مان» محققا ٣٨١ مليون دولار فى أمريكا، و٦٩٠ مليون دولار عالميا، وفى المركز الرابع جاء «حراس المجرة ٣» محققا ٣٥٨ مليون دولار فى أمريكا، وعالميا ٨٤٥ مليون دولار تقريبا، وكان المركز الخامس لـ «أوبنهايمر» محققا ٣٢٦ مليون دولار فى أمريكا، وعالميا حقق ٩٥٢ مليون دولار تقريبا.

وهكذا كان لباربى الصدارة محليا وعالميا، وهو ذوق الجمهور فى هذه المرحلة، لكن المدهش أن يفوز «باربى» بنصيب الأسد فى ترشيحات الجولدن جلوب التى أعلنت الشهر الماضى، فيقتنص تسعة ترشيحات بينما يتبعه «أوبنهايمر»، والدهشة هنا ليس لأنه تفوق على «أوبنهايمر» لأن «باربى» ينافس فى فئة مختلفة هى الأفلام الكوميدية والموسيقية، وبها أفلام أخرى أفضل، مثل «American Fiction» لكورد جيفرسون، و»The Holdovers» لألكساندر باين، و»The Color Purple» لبليتز بازول، وحصوله على تسعة ترشيحات، معظمها غير مستحق، ولا بفرض إرضاء الجماعات النسائية، فالفيلم ساذج، وهناك أفضل منه فى مغازلة جماعات الضغط الأمريكية.

فى كل الأحوال، ننتظر إعلان جوائز الجولدن جلوب الأحد القادم، وتتوالى بعدها كل الجوائز الأمريكية تباعا، وأعتقد أن «باربى» لن يكون له نفس الحظ فى المهرجانات والجوائز الأخرى.

فى النهاية، رغم إخفاق السينما الأمريكية فى تحقيق إيرادات جيدة فى ٢٠٢٣، إلا أنها قدمت عددا من الأفلام الرائعة والمدهشة، منها «Oppenheimer» «لكريستوفر نولان»، و»Poor Things» ليورجوس لانثيموس، و» The Zone of interest» لجوناثان جلازر، و»All of Us Strangers» لأندرو هاى، و»Killers of the Flower Moon» لمارتن سكورسيزى، و»Past Lives» لسيلين سونج وهو إنتاج أمريكى كورى، و»Maestro» لبرادلى كوبر.