يوميات الاخبار

الشعب الأصفر والحزام والطريق

طاهر قابيل
طاهر قابيل

«وصلت أولى محطاتى بأرض الشعب الأصفر بعد طيران11ساعة، تبدلت لدىّ فيها ساعات الليل والنهار، فالفارق 6 ساعات، بمعنى أن منتصف ليل الأمس بالقاهرة هو السادسة صباح اليوم التالى بالصين»..

رغم أننى سافرت فى العشرة الأوائل بالألفية الثانية إلى سنغافورة بشرق آسيا فى إحدى مهامى الصحفية عام 2008، لم أكن أتصور يوما أن أقطع كل تلك المسافة مرة ثانية فى العشرينيات من القرن الجديد، لأصل الى أقصى شرق آسيا، وأتعامل من جديد مع الشعب الأصفر من ذوى العرق المنغولى، الذين يتميزون بالعين المسحوبة والجبهة المسطحة، والأنف الأفطس وعظام الخد العريضة، والبشرة السميكة المشدودة والشعر والعيون الداكنة، والجلد المائل إلى اللون الأصفر والقامة القصيرة، والتى شكت لى منها احدى البنات الصينيات بأن من الصعب حصولها على زوج لأنها طويلة عن الباقين ومعظم الشباب قصيرو القامة.. وهذا العرق يضم الملايين من الصينيين واليابانيين والكوريين.


مهمتى الأولى لبكين
فى أحد أيام عام 2015 وجدت زميلى الأستاذ وليد فوزى مدير العلاقات العامة لأخبار اليوم يتصل بى تليفونيا، ويقول لى إن هناك دعوة للسفر إلى الصين وحضور مؤتمر دولى هناك.. وأن الكاتب الأستاذ ياسر رزق رئيس تحرير الأخبار ورئيس مجلس إدارة أخبار اليوم اختارنى لهذه المهمة، وترك لى تليفون مدير مكتب صحيفة الشعب اليومية الصينية، منظمة مؤتمر الحزام والطريق، وعرفت ان حزب الشعب الصينى يوجه الدعوة الى رؤساء ومديرى التحرير لوكالات الأنباء والصحف، لحضور المؤتمر الدولى، وذلك بعد قمة مع الرؤساء وقادة الدول بالعالم ومنها مصر،لاستعراض ومناقشة مبادرة الزعيم الصينى شى جين بينغ لإحياء الحزام والطريق الذى يربط قارات العالم آسيا وإفريقيا وأوروبا بحرا وبرا وجوا.. كانت الرحلة لعدة أيام للتعرف على المقاطعات الصينية المشتركة بالمبادرة وإمكانياتها.. وانه تم اختيار ثلاث صحف مصرية هى الأخبار والأهرام والجمهورية، وتعرفت على رفيقى الرحلة الأستاذين منصورعبد العظيم وعبد المؤمن فوزى، ودعانا مديرمكتب جريدة الشعب بالقاهرة لتناول العشاء للتعارف وشرح نبذة مختصرة عن رحلتنا.


لم تكن هذه مهامى الأولى لخارج مصر، ولكنها كانت الأولى الى الصين. وعرفت أن منصور»الأهرام» قضى فترة ليست بالقليلة فى اليابان، وأن عبد المؤمن «الجمهورية» رئيس أحدى الجمعيات الأفريقية، وله نشاط كبير فيها ورحلات إفريقية، وقد زارالصين قبل ذلك.. كما عرفت أن الرحلة الى الصين ستضم صحفيين وإعلاميين من أفريقيا.. واننا سنصل اولا الى المقاطعة التجارية «جوانزوا»، ثم نأخذ رحلة طيران أخرى إلى العاصمة الصينية «بكين».. ووصلت أولى محطاتى بأرض الشعب الأصفر بعد طيران 11 ساعة، تبدلت لدىّ فيها ساعات الليل والنهار.. فالفارق بين القاهرة وبكين 6 ساعات.. بمعنى ان منتصف ليل الأمس بالقاهرة هوالسادسة صباح اليوم التالى بالصين.. فقد تغيرت وتبدلت الساعة البيولوجية لجسدى.. أصبحت أشعر بالنعاس نهارا.. ويرفض النوم أن يداعب جفونى ليلا.. واستمرت هذه الحالة معى عدة أيام حتى تعودت على التوقيت.. وتكررت بحالة عكسية عند عودتى للقاهرة.
الصينيون شعب نشيط ويعتزون بلغتهم ولايتعاملون مع التكنولوجيا الأمريكية.. ولهم مواقعهم والسوشيال ميديا الخاصة بهم.. ووجدت صعوبة فى التفاهم مع الصينيين بالشارع، لأنى لا أعرف اللغة الصينية، ونادرا ما كنت أقابل من يتحدث الإنجليزية، وغالبا استعين بمرافقى للتحدث وشراء ما أرغب والترجمة لى، وكنت سعيدا عندما التقيت بمن يتحدث العربية الفصحى، وتعلمها فى جامعة صينية، وبعد رحلة طيران داخلى قصيرة مقارنة برحلتى من القاهرة، وصلت الى بكين، وكان الليل يعم المكان مثلما كان بالقاهرة، ووجدت فى انتظارنا بعد أن أنهينا إجراءات الدخول فريقا من صحيفة الشعب الصينية.. وبعد الترحيب أخذونى إلى فندق بالقرب من المدينة الجامعية التى بها جلسات المؤتمرالإعلامى، واعطونى برنامج الزيارة والتوقيتات بكل دقة، فالصينيون يحبون العمل بدقة، وبدأ برنامجنا بعد ساعات فى صباح اليوم التالى بمحاضرات فى صحيفة الشعب، وجولة بها، وكانت المحاضرات للتعريف بالمبادرة وهدفها وعن الصين وتاريخها.


فى الجولة بصحيفة الشعب شاهدت المبانى الخاصة بإقامة العاملين، هى والصحيفة تشكل كومباوند له حراسة وبوابة للدخول والخروج. وعرفت أنها توزع 4 ملايين نسخة كل يوم، ولها مواقع بالعديد من اللغات على الانترنت، إحداها بالعربية، مما يدل على اهتمامهم بلغتنا وتعلمها واستكملت اليوم الأول لى فى بكين بلقاء بعض قيادات حزب الشعب الصينى.. وباليوم التالى بعد محاضرة صباحا كانت زيارتى لوكالة الأنباء الصينية «شينخوا»، وهى أعلى هيئة إعلاميَة حكومية بالصين، إلى جانب صحيفة الشعب، ورئيسا تحريرهما عضوان باللجنة المركزيَة للحزب الشيوعى الصينى، وعرفت ان لوكالة الانباء 170 مكتبا بجميع أنحاءِ العالم، وفى كل مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم وبلدية صينية مكتب، وهى قناة رئيسيَة لنشرأخبار الحزب والحكومة، وتمتلك صحفا ومجلات بالإنجليزيَة والفرنسيَة والألمانية والإسبانيَة والبرتغالية والروسية والعربيَة واليابانية والكورية.. وتأسَست عام1931.
استكملت يومى الثانى فى بكين بزيارة بعد الظهر للقصرالإمبراطورى أوالمدينة المحرمة القرمزية، إحدى المعالم التاريخية والأثرية التى يحرص الصينيون على تنظيم الزيارت لها، ودعوة السياح والزائرين إليها.. وكانت فى الماضى مقرا لإقامة الأباطرة من أسرتى «مينغ وتشينغ»، وبها مليون قطعة من التحف الفنية النادرة، وتجمع بين الفنون المعمارية القديمة والآثار الإمبراطورية، ومساحتها 72ألف متر مربع، وبها 8700 غرفة، ويجرى بها نهر»هو تشنغ»، وتجولت بمدينة الأباطرة، والتى كانت محرمة على الشعب، وحرصت على التقاط الصور وحمل ذكريات لا تنسى، وخاصة عندما رأيت خارجها مركبات يدفعها البشر، مثل الكاريتات لدينا، لتنزه السياح والزائرين.


سور الصين العظيم
فى اليوم الثالث من زيارتى للصين، كان الذهاب لمشاهدة إحدى عجائب الدنيا السبع، وهو «سور الصين العظيم».. وعرفت من صعودى وجولتى أنه مشروع دفاعى يتكون من حوائط وأبراج مراقبة، وممرات استراتيجية وثكنات للجنود وأبراج للإنذار.. ولم أستطع الصعود إلا درجات قليلة منه، وعرفت أن السور التاريخى العملاق يمتد على قمم الجبال الخضراء بطول 100 كيلومتر، ويشغل مساحة شاسعة من إقليم منشوريا إلى صحراء غوبى والبحر الأصفر، وشيد على مراحل فى الفترة ما بين القرنين الثالث قبل الميلاد والسابع عشر الميلادى، فى حياة 16 سلالة حاكمة للصين، وأن أسرة مينغ شيدت الجزء الأطول والأشهر، وقامت الإمبراطوريات الصينية ببنائه لحمايتها من الجماعات البدوية التى كانت تهدد أراضيها، وفى نهاية الزيارة تناولت طعام الغداء بأحد المطاعم بسور الصين العظيم، وحرص مرافقى من صحيفة الشعب على تقديم طعام عربى، وتجولت بين متاجر لبيع الهدايا للسياح والزائرين، وحرصت على شراء بعضها لأسرتى وأصدقائى.. عدنا الى الفندق وتجولت بالقرب منه للتعرف على المكان، ومشاهدة المحلات والمولات وشراء ما أحتاجه.. وفى صباح اليوم التالى طلب منى مرافقى من صحيفة الشعب تجهيز حقيبتى للانتقال إلى فندق آخر ملاصق لقاعة المؤتمرات المقام بها جلسات مؤتمر الحزام والطريق الإعلامى.. ونصحنى صديقى الصحفى السودانى الذى سبق له زيارة الصين بأخذ حقيبة صغيرة معى بها بعض الملابس للأيام القادمة، وأخرج لى واحدة من شنطته، وفعلت ذلك على مضض، واكتشفت جهلى بمثل تلك المهام والرحلات، لأننى أخذت عددا قليلا من الملابس، واضطررت لشراء تيشيرت من احدى المقاطعات التى زرتها.


كلاكيت «جوانزوا» ثانى مرة
غادرت بكين إلى مقاطعة جوانزوا، أولى المدن التى زرتها للتعرف على مشاركتها بمبادرة الحزام والطريق، وكانت معى المجموعة الأفريقية، وهم من افضل رفقاء السفر، وتعرفنا على امكانيات المقاطعة التجارية والصناعية، وهى قبلة التجار المصريين والعرب.. وحرصت الصحيفة وحزب الشعب الصينى على تعريفنا بكيفية وصول الإسلام الى الصين ومشاهدة المساجد الموجودة بها، وتنظيم زيارة لأحدها، وعرفت أن فى جوانزوا ميناء لتصدير المنتجات الى آسيا وأفريقيا واوروبا، وأن لديهم صناعات عالية الجودة يتم تصنيعها، وبعض التجار يعرفون مصانع تحت بئر السلم يشترون منها البضائع رخيصة التكلفة وقليلة الجودة لبيعها فى أسواقنا.. وتجولت فى سوق المدينة ليلا، وتناولت أطعم مانجو يقطعها البائع أمامك ويضعها بعلبة بلاستيك، والآيس كريم، واشتريت بعض الهدايا.. وفى صباح اليوم التانى تم تنظيم جولة زيارة للمتحف.. والتعرف على الحضارة الصينية، ومشاهدة خرائط تاريخية للحزام والطريق، الذى كان يربط قارات العالم، ونماذج للمراكب التى كانت مستخدمة، وتقديم نبذة عن مدى اتصال الحضارتين الصينية والمصرية، وعلاقة «زهرة اللوتس» بهما، وقربها زمنيا من حضارتنا المصرية، ثم أخذنا مرافقنا للتعرف على البوذية واماكن العبادة بها، ثم زرنا مدناً صناعية، وتعرفنا على منتجاتها التصديرية، ومصانع ومعمل لتكريرالبترول، وشركة لصناعة الأجهزة والملابس والأدوات الرياضية للفرق والمنتخبات، وخاصة المنتخب الصينى.. وفى اليوم التالى زرت مقاطعة أخرى، وتعرفت على زراعة الشاى على المرتفعات الجبلية، وشاهدت مجموعة من السيدات يقمن بالصناعات اليدوية، وعرفت كيف يتم تجفيف الشاى، والفرق بين الاخضر والغامق، وأفضل النوعيات.. وتجولت فى المزارع، والتقطت صوراً اتخذ منها سجلاً لزيارتى.. وزرت ليلا أكبر مدينة للملاهى بالصين، وتناولت فيها طعام العشاء بأحد مطاعم مدينة الملاهى، بعد صعودنا لقمتها بعربات الدفع الكهربائى.. وزرت فى ختام زياتى الأولى للصين قبل حضورى مؤتمر الحزام والطريق الإعلامى حديقة بإحدى المقاطعات الصينية، تضم احجارا من بركان ضرب إحدى المقاطعات منذ عشرات السنين، واخذونى إلى مكان الحفر للبحث عن الاثار، وحولها مركز للدراسات، وغطوا مكان الحفر بألواح زجاجية لأرى منها كل شىء، مع وضع بعض المكتشفات المستخرجة فى دواليب زجاجية، مما أشعرنى بأننى مشارك فى عمليات الحفر والاكتشاف.


منذ ان تضع قدميك فى احدى المقاطعات الصينية، يأخذك مضيفك إلى أحد الأماكن التاريخية، ويشرح لك تفصيلا هذه الثروة، ولا يتركك إلا بعد أن تذهب منك الدهشة والاعجاب، وتبدأ فى تدوين المعلومات وتعلم مدى التقدم الذى وصلت إليه الصين.. عدت إلى بكين لأشارك فى جلسات المؤتمر، وتقابلت مع رؤساء التحرير والادارة للصحف ووكالات الانباء بالعالم، وحضرت ندوة عن تأثير السوشيال ميديا والنت على الصحافة الورقية، وخرجت منها بأن ذلك صعب، لعدم انتشار النت فى كل قارات العالم، ثم أغادر الى القاهرة لأصل نهارا، رغم أننى غادرت الصين نهارا بعد طيران 11 ساعة، لأجلس مع نفسى، وأدون ذكريات عن قارة الشعب الاصفر فى شكل دولة يعيش بها مليار و400 مليون صينى، وما شاهده من تقدم وصناعات تخطف العيون.