« الدواء».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور حاتم نعام

قصة قصيرة للكاتب الدكتور حاتم نعام
قصة قصيرة للكاتب الدكتور حاتم نعام

أراد التمرد على تلك الأشياء المزعجة التي شاطرته طفولته، والتمرد على مجتمع يحقر الفقير وينهش الضعيف، أراد أن يلملم حياته المبعثرة، ويخوض المعركة أمام الكثير من القيود التي وضعت الحدود في طريقه منذ صغره، فلم يمتلك مالاً ولا جاهًا ولا مؤهلاً علميًا مناسبًا يجعل له حضورًا مميزًا بين الناس، وهو  أكثر الأشياء التي كانت تؤلمه في ذاكرته السرية، لم يكن له قدوة أو شيخ  يسير على نصائحه، لم يملك إلا الرغبة أن يحقق ذاته، وأن يراه الناس على الخير  ليحظى بتقديرهم،  لم يجد أمامه سوى القراءة بعد أن جردته الحياة من أدوات النجاح التي تحقق له ذاته، انعزل تماماً في زاويته الخاصة يحاول أن يتمرد على تلك الروح الانهزامية، انكفأ على نفسه يقرأ الكتب، واعتاد كل ليلة قبل القراءة أن يخط بقلمه على ورقة بيضاء يضعها أمامه" القراءة هي الدواء لكل مرض خطير ولكل شر مستطير"

وفي كل مرة يجد نفسه أمام معاناة الكتب التي لا يحسن قراءتها، ولا يطمئن لنطق حروف كلماتها بطريقة سليمة فقد تُحيل المعنى إلى آخر، خاصة أن أول الكتب التي أسقطت في يده مصادفة، كتاب " أحدب نوتردام" للكاتب الفرنسي فيكتور هوجو، يقف أمامها كثيرا وكلما تسلل اليأس والانهزامية إلى روحه، تطارده المواقف المؤلمة في طفولته وصباه، خاصة عندما كان يدخل مدرس الفصل ينادي بصوت جهوري على التلاميذ غير القادرين على دفع المصروفات الدراسية وهو على رأس الفئات المعفاه ، شفقة قاتله لازمته خلال مراحل تعليمه الأساسي والثانوي، كان يشعر وقتها بفزاعة كبيرة اضطراب وارتفاع  درجة الحرارة وضيق في التنفس بمجرد أن ينادى على اسمه في الفصل بعد أن أصبح مقرونًا بالفقير.

يعود من جديد يتتعتع في مشقة كبيرة أمام محاولة قراءة عنوان كتاب، وظل سنوات يخوض معركته في صمت مع الكتاب جليسه، حتى أصبح لديه الشغف في قراءة الكثير من الكتب، وارتياد المكتبات العامة، وحضور الندوات الثقافية،

في كل مرة يعود إلى المنزل يغلق الباب على زاويته الخاصة  يحكي كل المعاناة التي يتعرض لها على الورق،  يوم ما  زاره صديقه في المنزل بداية معرفته به في إحدى الندوات الثقافية، وقعت عيناه على كراسته التي كتب فيها العديد من قصص المعاناة التي عاشها، أعجبه ما في الكراسة، اتفقا على تنسيقها معا, خاصة وأن صديقة ابن صاحب إحدى دور النشر الخاصة.

وذات صباح طالعته إحدى الصحف التي استعارها من صديقه، بأن هناك مسابقة أدبية تنظمها إحدى الجهات الثقافية  في مجالات شعر العامية والفصحى، القصة القصيرة، الرواية، الدراسات النقدية، أدب الطفل.

يشارك فيها الموهوبون والمبدعون من مختلف المحافظات، عرض عليه صديقه أن يشارك ويخوض التجربة بعمل إبداعي ثقافي، فرفض رفضا قاطعا، رفض أن يكون فارسا في ميدان ليس أهلا له، بعد محاولات وملاحقات وافق رغم امتعاضه،  وشارك في تلك المسابقة بمجموعته القصصية التي كتبها عن معانته، مرت الأيام وفي اليوم المحدد لإعلان أسماء الفائزين ، جلس وسط المشاركين والحضور في قاعة كبيرة يشعر فيها بالهيبة، عيناه جاحظتان تتفحصان المكان هنا وهناك،  تتجه أعين الحاضرين صوب المنصة التي بدأت في إعلان أسماء الفائزين بجوائزها، وهنا ألجمته الصدمة أول مرة يسمع اسمه بفخر غير مقرونا بالفقير غير القادر عندما جاء الصوت من أعلى المنصة يعلن أن العمل الإبداعي الفائز بالجائزة الأولى في المجموعة القصصية هو "القراءة هي الدواء لكل مرض خطير ولكل شر مستطير".