هل صيام المسلم يوم ذكرى ميلاده شكرًا لله بدعة

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال نصه "ما حكم صيام الإنسان يوم ذكرى ميلاده؟ فأنا أحتفل بيوم ميلادي بصومه شكرًا لله تعالى، وعندما عَلِم بعض الناس بذلك قال لي: إنه بدعة، فأرجو الإفادة بالرأي الشرعي في ذلك.

قال فضيلة الدكتور شوقي علام- مفتي الجمهورية "احتفال الإنسان بيوم ميلاده بصومه شكرًا لله تعالى من الأمور المباحة شرعًا، والصيام بهذه النية ممَّا يُثاب الإنسان عليه، ولا يُعدُّ ذلك من البدع المذمومة شرعًا.

أضاف" احتفال الإنسان بيوم ميلاده بصومه أو بالصوم فيه فهو شكرٌ لله تعالى بالعبادة، وهذا مأمورٌ به في قول الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾ [العنكبوت: 17]، والأمر بالشكر هنا ورد على جهة العموم في مقابلة النعم، فيبقى على ذلك من حيث الأوقات والهيئات، ومما يندرج تحته إيقاع العبادة -ومنها الصيام- في ذكرى يوم الميلاد؛ شكرًا لله تعالى على نعمة الإيجاد، وهو ما نص عليه المفسرون عند تفسير قول الله تعالى: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ۝ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ۝ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت﴾ [قريش: 1-3].

تابع " قال أبو علي الحسن الفارسي [ت: ٣٧٧هـ] في "الحجة للقراء السبعة" (5/ 297، ط. دار المأمون التراث): [كأنه: فليعبدوا ربَّ هذا البيت لإيلاف قريش؛ أي: ليقابلوا هذه النعمة بالشكر والعبادة للمنعم عليهم بها] اهـ.

وقال البقاعي في "نظم الدرر" (22/ 260، ط. دار الكتاب الإسلامي): [﴿فَلْيَعْبُدُوا﴾ أي: ليعبدونا لأجل ما أوقعنا من إِلْفِهِم وإيلافهم، وعلى التقديرين: الإِلْفُ علة للعبادة أو لما يوجب الشكر بالعبادة، وفي هذا إشارة إلى تمام قدرته سبحانه وتعالى، وأنه إذا أراد شيئًا يسر سببه؛ لأن التدبير كله له] اهـ.

ذكر " ولا يتأتى القول بمنع صيام الإنسان يوم مولده بدعوى عدم وروده، أو أنه أمر خاص بيوم ميلاد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام؛ وذلك لاندراجه تحت أصل عام، ألا وهو ما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» متفقٌ عليه، وقد بيَّن العلماء أن المراد بقوله: "في سبيل الله" الطاعةُ لوجه الله على أيِّ كيفية كانت، قال الإمام ابن دقيق العيد في "إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام" (2/ 37، ط. مطبعة السنة المحمدية): [ويحتمل أن يراد بسبيل الله: طاعته كيف كانت. وَيُعَبَّرُ بذلك عن صحة القصد والنية فيه] اهـ.

وقال الإمام المناوي في "فيض القدير" (6/ 161، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(من صام يومًا في سبيل الله) أي: لله ولوجهه] اهـ.

اضاف " والاحتفال بـيوم الميلاد مظهرٌ من مظاهر تذكر أيام الله التي أمر الله به في القرآن الكريم، وليس في الشرع ما يمنع من أن تكون هناك مناسبة لذلك يُعَبِّر فيها الناس عن شكرهم لله تعالى، فإنَّ هذا أمرٌ مباحٌ لا حرج فيه، ولا صلة له بمسألة البدعة التي يدندن حولها كثير من الناس بمناسبة ومن غير مناسبة؛ فإن البدعة المردودة هي ما أُحدث على خلاف الشرع؛ لما ورد من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» متفقٌ عليه، ومفهومه أنَّ مَن أَحدث فيه ما هو منه فهو مقبول غير مردود، وقد قررنا آنفًا جواز شكر النعمة بالعبادة، ويدخل تحتها: عبادة الصوم.

قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (2/ 3، ط. دار المعرفة): [ليس كل ما أبدع منهيًّا عنه، بل المنهيُّ عنه بدعةٌ تضاد سُنَّةً ثابتةً، وترفع أمرًا من الشرع] اهـ.