«أحضان الطبيعة».. قصة قصيرة للأديب سيف المرواني

سيف المرواني
سيف المرواني

أقضم أصابع يدي وأضعها في فمي مثل الأطفال الصغار، يسلون أنفسهم بمص الأصابع، أركب حصانا يجر جراً، خطواته ثقيلة، أمثل له ثقلاً أخر يحمله، وهما يسقط جبلا يحاول أن ينهض لكنه يفشل، ويزداد الأمر سوءاً وتتوقف الرحلة، ينجرح ويغوص في بركة داخل أرض لزجة، أرجله تتهاوي وتنزل في هذه الأرض, تظلم الرؤية في عيني ويتحول النهار إلى ليل ملئ بالوحوش، وعدم وضوح الرؤيا في الطريق الذي يوصلنا إلى دار الأمان ..

تحاول أصابعي أن تكتب وتخط عبثاً، ولكن الكتابة علي أرض زلقة تضيع وتذهب سدي وتندثر، لا شيء بجانبي، لا أحد يساعدني علي الخروج من هذه الأرض، استغيث فلا يوجد من يسمع ندائي أو يمر بالقرب مني، لقد حانت لحظة النهاية أشرفت علي الهلاك، وفي هذه اللحظة انتزعت ضحكة خرجت بصوت مبحوح .

تمضي الأيام لا أحد يصلني أو يطرق بأبي أو يسال عني صرت أفكر في اللحظة التي كان حصاني فيها يضاهي سرعة الرياح يلف بي أرجاء الدنيا يمازحني والابتسامة تملأ محياه، لم تشرق الشمس، وصارت تحجبها الغيوم الكثيفة السوداء ولا يصل إلىّ ولو بصيصاً من شعاعها.

 تؤرقني الغيوم ويدب الكسل فىّ ويسألني: هل تريد راحة أكثر من ذلك ؟

أصرخ في وجهه: ابتعد عني لا أريدك أغرب عن وجهي أيها المشئوم.

حل بي ضيف جديد أعلن قدومه إلى دنيتي، إنه الضيف الميت الذي يستمر عمراً طويلاً بدون أن يرحل بسهولة، ذلك هو الحزن،

فقال لي : أرجوك أن تفتح لي أبواب مدينتك ..

رفضت بإصرار

قال: إذا لم ترض بالمعروف والإحسان فسوف أدخل قسرا سواء أردت ذلك أم لم ترد.

تتابعت صرخات الرفض وعدم الإذعان، فقلت: لا  لن يسعني ذلك، لا أحتمل أكثر ولا أطيق كل هذا لن أرضخ لكم أيها الأوغاد.

 خرج كل منهم ينظر للأخر مكسور الخاطر فقالوا: لم نستطع الانتصار عليه إنه الذي انتصر بقوة إرادته وعزيمته وإصراره على منعنا من دخول حياته.

 وفي اليوم الثاني بزغت الشمس ولاح بريق شعاعها في واحتي، فرحت عندما رأيت الشمس تشرق، ولا تحجبها الغيوم، فرحة لم أفرح مثلها في أي لحظة من حياتي، نشطت عروقي وانتشر فيها الدم من جديد بعد أن توقف، تحول لوني الشاحب إلى لون جميل، دب النشاط في جسمي، نهضت بدون مساعدة أحد، ظهرت الابتسامة علي مشارف ثغري، أطلقت العنان لفرسي لخروجي منتصراً مسروراً بما حدث، لم أكن أتوقع أن انهض من كبوتي، صار للدنيا معني جميل، واخضرت الأرض، وتفتحت الورود والزهور بعد أن كانت ذابلة لا رائحة لها . تلك هي الرحلة التي نبتت في أحضان الطبيعة .