«ضياء والمملكة».. قصة قصيرة للكاتب كرم من الله السيد

 كرم من الله السيد
كرم من الله السيد

كانت هناك مملكة مملؤة بالشموس، شمس تسلم ضوئها لشمس، لا يغيب ضياء فيها طوال الزمن، يُنبت فيها ألف ضياء وضياء وكان من عادات هذه المملكة قديماً أن تحرس كل ضياء يبزغ فيها .. تسانده .. تدعمه .. تصحح أخطاءه .. تزيد من ضياءه .. تفرح به وله .. حتى جاء جيل يرفض ضياء الشمس .. يحقد عليه.. يكرهه.. يستكثر عليه لمعانه ويتمنى زوال الشموس كلها وحتى ضياء الشمس يكرهه..

فحاولت المملكة أن تخرج شموسها سراً وتظل خائفة ترتعد من بزوغ ضياء لها .. حتى تضاءل ظهور الشموس في هذه المملكة .. والضياء أصبح فيها نادراً كما معدن الذهب في الأرض، ثم حدث أمر عجيب حيث خرج أحد أجداد هذه المملكة من قبره وأخذ ينادي في أهل المملكة ويصرخ من فوق جبل عال أطلقوا سراح ضياء الشمس.. يبكي بحرقة ويردد: لا تقتلوا الشموس  في بلادكم وانزعوا عنها السحب والغمام واكنسوا السماء بأيديكم وقلوبكم ودعواتكم وفرحتكم من ضباب الحقد والكره  وسيظهر ألف ضياء.. سخر منه أهل المملكة ورددوا: ماذا يقول هذا الميت منذ مائة عام؟!

 

طاف جدهم منهار علي أطراف المملكة ويصرخ ويقول: لا تحسدوا الشمس بعيونكم واحرسوها كما حرسناها نحن أجدادكم.. ولا تطفئوا الضياء في بلادكم بقلوبكم المظلمة وتمنوا من داخلكم أن تخرج الشمس في أي بيت.. في أي عائلة.. في أي شارع في أي بلدة.

جلس الجد واضعاً رأسه بين يديه ثم نهض ونظر في وجوههم وعيونهم واحداً واحداً، وتساءل أي شمس ستخرج وسط عيون حاسدة؟! أي ضياء سيلمع بين قلوب كالحة، ترفض الفرحة لضياء جديد وتكره ابتسامة يقدمها للمملكة ؟! بأيديكم أن تطلع في مملكتكم ألف شمس وشمس .. بأيديكم أن تجعلوا ألف ضياء وضياء يلمع فوق رؤوس نخيلكم.. 

اجتمع أهل المملكة بعد أن شعروا بأن كلام جدهم أصبح واضحاً وقالوا في كلمة واحدة بعد أن تذكروا كل الشموس التي قتلت، وكل ضياء قد غاب وأصبح مكانه مظلماً، وقالوا نريد شموسنا وكل ضياء غاب عنا فماذا نفعل؟

 

فقال جدهم بعد أن عاود ترتيب كفنه وتهيأ للعودة كل ما عليكم فقط أن تحرسوا أي ضياء حتي يصبح شمساً يحميكم من صقيع الزمن.. فقط اجعلوا من قلوبكم مهبطاً آمن لكل ضياء .. وإن لم تفعلوا هذا فأقسم لكم أنه لن يبقى في بلادكم ضياء.