قضية ورأى

الإنسانية والصراع الدينى

جمال أسعد
جمال أسعد

أوجد الله الإنسان وميزه عن سائر المخلوقات بالعقل. والإنسان هنا كان مطلق إنسان بلا تمايز أو تمييز. فلا يوجد هناك تمييز نتيجة لعرق أو جنس أو دين. ولمحبة الله فى خليقته.

كان من الطبيعى أن تكون هناك علاقة بين الله وبين هذا الإنسان. تلك العلاقة هى عقيدة الألوهية التى فطر الله عليها هذا الإنسان. وبدأت تلك العقيدة بفكرة تتوافق مع قدرة الإنسان عند الخلق. فكانت (لا تأكل يا آدم من هذه الشجرة). وكان هذا يتوافق مع قدرة وثقافة الإنسان حين ذاك.

ثم ومع تطور الإنسان فكريًا وثقافيًا كان هناك الرسل والأنبياء والديانات التى تتوافق مع الظروف الزمانية والمكانية والتى يستطيع أن يستوعبها الإنسان. فكانت التعددية الدينية التى أرادها الله للإنسان.

(ومن القصص ما قصصناها عليكم ومنها لم نقصصها) (من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم). ولما كان الإنسان والإنسانية قبل الأديان فقد جاءت الأديان لصالح هذا الإنسان.

فهل إرادة الله سبحانه وتعالى لهذه التعددية الدينية كانت لكى يكون هناك صراع بين الإنسان والإنسان على خلفية تلك التعددية؟ حاشا وكلا أن تكون هذه هى مقاصد الله الكريمة. ودليل ذلك أن الله كان يمكن بقوة إرادته أن يكون الإنسان مطلق إنسان على دين واحد. (وما من أمة إلا ولها رسول) (لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين).

إذن وفى كل الحالات فالإنسانية هى الرباط الأكمل والأمثل الذى يربط الإنسان بأخيه الإنسان فى ظل عقيدة الألوهية التى تؤمن بالله الواحد صاحب القدرة فى إطار تتعدد العقائد. فإذا كان الأمر كذلك.

فلماذا نشاهد وطوال التاريخ الإنسانى تلك الصراعات التى كانت ولازالت تتم تحت ادعاء الدين؟ هنا ولأن الدين أى دين يمثل للإنسان القيمة العليا والهدف الأسمى الذى يشكل ويؤثر فى الحياة الحاضرة. كما أن الدين أيضًا يمثل ويجسد الجائزة الكبرى لنوال الحياة الآخرة فيما بعد الموت.

هنا يصبح للدين التأثير القوى خاصة لو تم استغلاله عن طريق العاطفة الدينية التى يتم تشكيلها وتصنيعها عن طريق الفكر الدينى والذى هو الفكر البشرى فى تفسير وتأويل والاجتهاد فى النص الدينى وهو فكر غير مقدس غير النص الدينى المقدس.

هنا لأن للإنسان أغراضه الذاتية وللدول مصالحها الخاصة. فقد تم استغلال الدين من الأفراد والجماعات والدول لتحقيق تلك المصالح وهذه الأغراض فكان تأجيج العاطفة الدينية خير وسيلة لإثارة النفوس بالحقد والكراهية ورفض الآخر الدينى وغير الدينى. وللأسف أننا مازلنا نشاهد تلك الصراعات بين أبناء الدين الواحد.

فهل الفتنة الكبرى كانت صراعًا دينيًا أو سياسيًا؟ وهل الصراع السنى الشيعى الذى تستغله القوى الاستعمارية للسيطرة على كليهما صراع ديني أم صراع سياسى؟ وهل الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت والذى استمر ثلاثين عامًا ١٦١٨ إلى ١٦٤٨ وقد راح ضحيته ملايين البشر باسم المسيح.

كان صراعًا دينيًا أم صراعًا سياسيًا؟ وهل الحروب الصليبية التى جاءت بسبب الخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية فى أوروبا حينها لاستغلال مقدرات الشرق وبحجة حماية بيت المقدس. كانت صراعًا دينيًا أم سياسيًا؟ ولذا مازلنا نرى هذا الاستغلال فى كل زمان وكل مكان. وما كذبة صراع الحضارات أو الثقافات بل الأصح صراع الأديان التى أعلنها هنتجنتون لصالح الاستعمار الأمريكى.

تمثل بالفعل صراعًا دينيُا أم سياسيًا؟ وبنفس القياس نرى ذلك الاستغلال للقضية الفلسطينية والتى هى قضية تحرر وطنى لوطن تم طرد أبنائه من منازلهم وأرضهم عنوة ويريدون تحريره من استعمار صهيونى استيطانى استبدادى.

فهى قضية إنسانية ومسيحية وإسلامية وعالمية. ومع ذلك نرى الصهاينة يستغلونها على أرضية دينية تحت شعارات أسطورية مثل أرض الميعاد وشعب الله المختار وكأن الله لم يخلق ولم يحب غير هؤلاء.

ونرى أمريكا والغرب المسيحى الذى تم اختراقه صهيونيًا باسم (المسيحية الصهيونية) يقدم كل الإمكانات والمساعدات تحت زعم عودة المسيح ليحكم العالم ألف عام بعد عودة اليهود وبناء الهيكل الذى تم قبل ذلك ثلاث مرات!! ولذا يجب على المسيحيين مساعدة هؤلاء.

ونرى على الجانب الآخر من يحول القضية إلى قضية دينية إسلامية وكأنها صراع بين الإسلام والمسيحية!! فهل تلك الصراعات المزعومة والتى تستغل الدين هى صراع ديني أم صراع سياسى؟ فلنحافظ على عقائدنا ونحترم عقائد الآخر. حمى الله مصر وشعبها العظيم.