كنوز| سهرة مصطفى أمين وكامل الشناوى ليلة الكريسماس

مصطفى أمين وكامل الشناوى وشجرة الكريسماس
مصطفى أمين وكامل الشناوى وشجرة الكريسماس

قبل يومين فقط من رحيل عام 1940 وحلول عام 1941 كان الكاتب الشاب مصطفى أمين لم يكمل السابعة والعشرين من عمره، وكتب وقتها مقالا فى مجلة «آخر ساعة» عن ليلة رأس السنة التى قضاها فى كازينو «بديعة مصابنى» برفقة صديقه الشاعر كامل الشناوى قال فيه: 

«أقبل رأس السنة وقلبى معتنق مذهب لينين وستالين أى المبادئ الشيوعية فى الهوى والغرام فقد كنت أقمت على قلبى خط «ماجينو» ليمنع الغزو ويقف دون المغيرين، ثم سقطت «قلعة» قلبى فى يد الغزاة والفاتحين فاستعبدها البعض وأذلها الآخرون ثم تحرر قلبى من الهوى والهوان وزال استعباد الفرد ليحل مكانه استعباد المجموع.

لى ثلاث صديقات أحبهن جميعا ولست أعرف من المفضلة عندى، فالأولى أجملهن والثانية أذكاهن والثالثة أرشقهن، ولو كان الثلاث واحدة لكانت المرأة الكاملة الوحيدة فى الوجود. كان الموعد الأول فى فندق مينا هاوس والحضور بسترة الفراك، وكان الموعد الثانى فى فندق هليوبوليس بمصر الجديدة والحضور بسترة السموكن، وكان الموعد الثالث فى المعادى والحضور بالملابس العادية..

حرت بين المواعيد الثلاثة، والنساء الثلاث، وأخيرا قررت أن أعتذر عن عدم الذهاب إلى المواعيد الثلاثة، أمسكت بالتليفون وقلت للأولى إن هناك أزمة وزارية، وقلت للثانية إننى مشغول بأخبار الغزو الألمانى لإيطاليا، وقلت للثالثة إن وزير الأوقاف قد استدعانى ليعطينى تصريحا عن أوقاف المسلمين.

وذهبت أنا وصديقى كامل الشناوى إلى صالة «بديعة مصابنى»، جلسنا وحدنا نتطلع إلى وجوه الفتيات الراقصات كما يتطلع الجائع إلى طعام وراء زجاج فترينة مطعم مشهور، دقت الساعة الثانية عشرة وأطفئت الأنوار وحدث هرج ومرج، وطرقعت القبلات وتلفت حولى لأجد وجها أقبله فلم أجد سوى كامل الشناوى، ترددت هل أقبله أو لا ؟ أقنعت نفسى أن عملا كهذا هو الذى يسميه القانون «فعل علنى فاضح فى الطريق العام».

ثم أضيئت الأنوار، ولكننى أحسست كأن الظلام لا يزال، فقد أضيئت الأنوار فى عيون جميع الجالسين فى صالة بديعة ماعدا عينى، كأن الظلام يزداد حلكة، وكانت عينىّ تبكيان بلا دموع، وكأن فى قلبى مأتما على الذكريات، كانت هذه أول سنة بعد سبع سنوات لا افتتحها بقبلة حارة على شفتين حارتين، وكانت هذه أول سنة لا أشترك فى ضجيج الراقصين، وكانت هذه أول مرة أشعر فيها أننى أعيش حقا على «هامش الحياة»، ومرت أمام عينىّ، قبلاتى السبع الماضيات فى نيويورك وواشنطون وروما والمحيط الأطلسى.. و.. و.. غيرها.. هذه القبلات التى كانت «البروكة» التى أتبرك بها كل عام !.

مصطفى أمين «آخر ساعة» 1940