حصاد 2023| تفاقم الكوارث الطبيعية حول العالم بسبب التغير المناخي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في عام 2023، شهدنا سلسلة من الكوارث الطبيعية المدمرة، مثل حرائق الغابات والفيضانات والزلازل وذوبان الجليد والعواصف وكذلك الجفاف الذي ألمّ بعدة مناطق حول العالم في ظل ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة، تزامنًا مع تغير المناخ الذي ساهم بعدة عوامل في حدوث تلك الظواهر.

اقرأ أيضًا: هل ستصبح مصر دولة جليدية بسبب التغيرات المناخية؟.. خبير مائي يحسم الجدل

وفي نصف العام الأول من 2023 ومع بداية فصل الصيف، ألقت العديد من الكوارث الطبيعية بظلالها الدامية على بلدان كثيرة في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي، حيث سجلت أرقاما قياسية وغير مسبوقة في درجات الحرارة والعواصف المطرية، مما أدى إلى اندلاع حرائق هائلة وفيضانات عارمة وانصهار جليدي، وتسببت تلك الأحداث في تأثيرات تدميرية وخسائر بشرية كبيرة.


ذوبان الجليد وارتفاع معدل سطح البحر 

وسجّلت درجات حرارة المحيطات هذا الصيف أرقاما قياسية، حيث قدرت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي أن أكثر من 40 % من محيطات العالم تشهد ما يُعرف بموجة الحرارة البحرية، ووصل متوسط درجة حرارة سطح المحيط العالمي إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.

ويُسهم ذوبان الأنهار والصفائح الجليدية في رفع مستويات سطح البحر على مستوى العالم، حيث أصبحت محيطات الأرض وبحارها أعلى بحوالي 20 سنتيمترا مقارنة بما كانت عليه في عام 1900، ويُعتبر هذا المعدل هو الأعلى للارتفاع خلال قرن واحد في الآلاف السنين الماضية، وهو ما يُسهل تدفق مياه البحار إلى المدن خلال فترات الفيضانات.


الفيضانات.. الكارثة الأكثر تكرارًا في 2023

الفيضانات، هي الكارثة الطبيعية الأكثر تكرارًا في عام 2023، حيث شهدت دولًا عديدة مثل البرازيل وغانا والهند وبريطانيا والكونغو الديمقراطية وموزمبيق وزامبيا وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية والإكوادور، حوادث فيضانات خلال هذا العام، وكذلك ليبيا التي كانت على رأس هذه القائمة، حيث شهدت فيضانات أسفرت عن فقدان أكثر من 11 ألف شخص.

حيث تأثرت مناطق واسعة في جنوب شبه الجزيرة البلقان وغرب تركيا وشرق ليبيا بارتفاع درجات الحرارة القياسية، ونتيجة لذلك، شهدت هذه المناطق هطول أمطار غزيرة بشكل استثنائي.

وتسببت العاصفة دانيال، التي ضربت تلك الأراضي، في خلق أضرار جسيمة، حيث انهارت مدن بأكملها تحت ثقل الفيضانات والانهيارات الأرضية، ما أدى إلى انفجار سدين، مما تسبب في تدفق موجة عاتية من المياه عبر الجبال باتجاه المدينة الليبية الساحلية درنة.

وفي 29 يوليو الماضي، شهدت 16 مدينة ومقاطعة على الأقل في شمال شرق الصين هطول أمطار وفيضانات قياسية نتيجة تأثير إعصار دوكسوري، الذي أحدث طقسًا عاصفًا وكارثيًا في تلك المناطق، وكانت بكين على وجه الخصوص قد شهدت أشد هطول للأمطار منذ قرابة قرن ونصف، مما أدى إلى تضرر البنية التحتية وتداوي الفيضانات في مناطق واسعة.

وبعدها امتدت الأمطار الغزيرة والأعاصير بكثافة خلال شهر أغسطس الماضي، متسببة في وقوع العديد من الانهيارات الطينية والفيضانات المفاجئة في جميع أنحاء الصين، وتكبدت المناطق المتأثرة خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات.

وخلال يونيو 2023، أثر الطقس المضطرب بشكل كبير على 7 من المقاطعات العشر في هايتي (بدولة الكاريبي)، مما أدى إلى نزوح أكثر من 13 ألف شخص، كذلك شهدت عدة بلدان أيضًا فيضانات هائلة ناتجة عن ارتفاع منسوب مياه 3 أنهار، أسفرت عن خسائر بشرية فادحة تجاوزت 50 حالة وفاة، فضلًا عن الدمار الهائل الذي عم البلاد.

وفي 10 سبتمبر عام 2023 شهد العالم أبرز الأحداث المفزعة بسبب العاصفة دانيال التي ضرب مدينة درنة الليبية وأدت لانهيار السدود في المدينة الساحلية مما أدى إلى دمار واسع أدى لمقتل 4333 شخصا على الأقل، بينما أصيب 8500.

كيف ساهم التغير المناخي في تداول الأخطار الطبيعية؟


 

يعتقد العلماء في هذا السياق أن الظواهر الطبيعية، مثل الفيضانات، تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بتغيرات المناخ، فالارتفاع المستمر في متوسط درجات الحرارة يسهم بشكل متسارع في تشكيل هذه الظواهر عامًا بعد عام، كما تشير بعض المصادر البحثية في عام 2023 إلى أنه كان العام الأكثر حرارة في تاريخ القياس.

كانت الفيضانات في الماضي تحدث من حين لآخر، إلا أن التغير المناخي أدى إلى زيادة معدلاتها وشدتها، وكذلك زيادة مدة استمرارها، ويتسبب التغير المناخي أيضًا في تأثير سلسلة من الكوارث الطبيعية الأخرى، حيث يتسارع ارتفاع حرارة سطح المياه في بحار ومحيطات العالم بسبب هذا التغير في زيادة شدة وسرعة وطول الأعاصير.

حيث تعتمد قوة أي إعصار على حرارة المحيط، إذ يستفيد منها لتحفيز دورانه وزيادة سرعة رياحه، ومن ثم، يعتبر العلماء في هذا المجال بشكل متزايد أن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن الاحتباس الحراري يزيد من احتمالية تكون أعاصير أكثر عنفًا وسرعةً مما كانت عليه في السابق، وهذا يجعل الأرض أكثر عرضة لتكون تلك الظواهر الطبيعية العاتية والمدمرة.

الأعاصير

 

أما عن بيانات الأعاصير العالمية، فقد سجل عام 2023 ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الأعاصير من المستويين 4 و5 تلك التي تتميز بسرعة رياح تتجاوز 200 إلى 250 كيلومتر في الساعة، حيث كان المتوسط في سبعينيات القرن الماضي يسجل 10 أعاصير في السنة، وارتفع إلى 18 إعصارًا في السنة خلال التسعينيات.

كما تأثرت المناطق المحيطة بإعصار أوتيس الذي ضرب الساحل المكسيكي على المحيط الهادئ في 25 أكتوبر الماضي، حاملاً معه رياحًا بلغت سرعتها 250 كيلومتر في الساعة، وقد تجاوز هذا الإعصار حتى إعصار باتريشيا، ليصبح أقوى إعصار مسجل يصل إلى اليابسة.

وتسبب هذا الإعصار في دمارٍ كبير، حيث دمر ما يقرب من 80% من الفنادق و96% من الشركات في مدينة أكابولكو المكسيكية التي اجتاحها.

وفي أمريكا بلغت شدة العواصف ذروتها مما دفع بعض الوكالات الرئيسية مثل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، إلى الإعلان عن عام 2023 باعتباره العام الأكثر كلفة من حيث إدارة الكوارث الطبيعية، بسبب تسجيل مستويات غير مسبوقة من الظواهر الجوية القوية والعواصف.

وتم توثيق ما لا يقل عن عشرات الأعاصير في الولايات المتحدة خلال عام 2023، حيث تجاوز عدد الأعاصير المسجلة المتوسط السنوي المعتاد، ولفتت الأنظار أيضًا الأشهر الثلاثة الأولى من العام، حيث كانت تلك الفترة من بين الأعلى تسجيلاً في تاريخ الولايات المتحدة من حيث عدد الوفيات بسبب العواصف، حيث سُجلت 76 حالة وفاة.


حرائق الغابات

عام 2023، كان واحدًا من السنوات التي ارتبطت بشدة بحالات حرائق الغابات القاسية، حيث عاشت الجزائر تحت وطأة هذه الكوارث خلال شهر يوليو الماضي، إذ سجلت حوالي 100 حريق في 16 مدينة، وأسفرت عن فقدان نحو 34 شخصًا لحياتهم، وكانت الأحوال الجوية الحارة المرافقة للرياح الشديدة سببًا لتأجيج هذه الحرائق، حيث وصلت درجات الحرارة خلالها إلى 48 درجة مئوية، مما أدى إلى تفاقم الوضع الكارثي.

وفي سياق متصل، شهدت ولاية هاواي الأمريكية أعنف موجة لحرائق الغابات في الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن، وتسببت في وفاة 115 شخصًا تقريبًا، وأدت إلى دمار العديد من المعالم التاريخية والثقافية في مدينة لاهينا، وتفاقمت حينها وتيرة اندلاع الحرائق بشكل ملحوظ في مدينة لاهينا بفعل الرياح العاتية الناجمة عن إعصار دورا، وكان ذلك في تزامن مع شدة الجفاف ونقص الأمطار، ما ساعد على انتشار الحرائق بشكل سريع وواسع.

ويؤدي التغير المناخي إلى زيادة تردد الموجات الحارة وموجات الجفاف في جميع أنحاء العالم، ومع تفاقم حالات الجفاف، يتخزن كمية أقل من الماء في النباتات، مما يؤثر سلبًا على نموها ويسبب تساقط أوراقها الجافة وموت الأشجار بسرعة، ويُعزى هذا التأثير إلى الظروف البيئية المثلى لانتشار الحرائق.


الجفاف ألمّ بدول القرن الإفريقي

أما دول القرن الإفريقي (الصومال وإثيوبيا وجيبوتي وإريتريا)، فقد شهدت أسوأ حالات الجفاف منذ عقود، حيث تسببت درجات الحرارة الشديدة في تسارع عملية التبخر، مما أدى إلى انخفاض مستويات المياه السطحية وجفاف التربة، وبناءًا على ذلك أيضًا تأثرت الموارد المائية والزراعة في هذه البلدان.

أما جنوب أوروبا، فقد تعرضت أيضصا لموجة حارة غير مسبوقة خلال الفترة الأخيرة، مما أثر بشكل كبير على راحة السكان والسياح على حد سواء، مما دفع وكالة "ناسا" بإعلان أن شهر يوليو الماضي كان أكثر الأشهر حرارة منذ بداية تسجيل القراءات في عام 1880م.