عقبات تمنع تطبيق سيناريوهات «اليوم التالي» للعدوان

إسرائيل تدفع الفلسطينيين للنزوح إلى جنوب غزة
إسرائيل تدفع الفلسطينيين للنزوح إلى جنوب غزة

كتبت : مروى حسن حسين
هناك سؤالان يطرحان حول التخطيط «لليوم التالي» لغزة بمجرد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة. الأول يتعلق بمن تنقل إليه إسرائيل السيطرة على غزة عندما تغادر قواتها. أما السؤال الثانى فهو أكثر تحديا: هل هناك خطة واقعية قادرة على منع غزة من التحول إلى قاعدة لشن هجمات على إسرائيل مرة أخرى؟ فى حين طرح المشرعون الإسرائيليون اليمينيون فكرة ضم أجزاء من القطاع، حيث قامت إسرائيل بتفكيك مستوطناتها عام 2005، فى حين أشار كبار المسئولين الإسرائيليين مرارا إلى عدم رغبتهم فى إعادة احتلال غزة وإعادة بناء بعض المستوطنات هناك.

يبدو أن هناك إجماعاً فى واشنطن على أن الحل الوحيد على المدى الطويل لتلبية حاجة إسرائيل إلى الأمن وآمال الفلسطينيين فى تقرير المصير يتلخص فى العمل على التوصل إلى حل سياسى للصراع. وسيظهر الوقت ما إذا كان بايدن سيستمر فى دعم نتنياهو، الذى أمضى حياته السياسية بأكملها فى القتال ضد حل الدولتين.

اقرأ أيضاً| تحالفات عسكرية أوروبية ومخاوف من حرب باردة

من الصعب أيضًا تصور سيناريو اليوم التالى الذى لا يحتفظ فيه الجيش الإسرائيلى بوجود قصير المدى على الأقل لمنع أى بقايا لحماس من إعادة تشكيل نفسها وتحقيق استقرار الوضع المباشر. وفى المرحلة الانتقالية الأولى، التى قد تستمر أشهرا، سيكون على إسرائيل أن تحافظ على سيطرتها على المنطقة.

ويدرك جنرالات جيش الدفاع الإسرائيلى تماماً أنه فى هذه المرحلة الانتقالية  بمجرد أن يحقق الهجوم البرى هدفه المباشر المتمثل فى تحييد تهديد حماس من خلال تدمير بنيتها التحتية العسكرية  فسوف يكون لزاما عليهم أن يتولوا مسئولية الشئون الأمنية والمدنية فى غزة. وبحسب ما ورد بدأت وزارة الدفاع الإسرائيلية بالفعل فى التخطيط لكيفية نقل بعض هذه الأسلحة.

كشفت القناة الإسرائيلية «12»، وثيقة قالت إن وزارة الخارجية الإسرائيلية عملت عليها بتكتم طيلة الأسابيع الماضية، بشأن مستقبل غزة أو ما يسمى ب»اليوم التالي» للحرب على قطاع غزة.

وبحسب الوثيقة التى قُدّمت لمجلس الأمن القومى الإسرائيلي، فإن «إسرائيل تعمل من أجل مستقبل يكون بإمكان الفلسطينيين فيه حكم أنفسهم دون إمكانية تهديدها».

وجاء ذلك بطلب من وزير الخارجية الإسرائيلى إيلى كوهين، الذى نصت تعليماته الأساسية على ألا يشمل التصوّر السلطة الفلسطينية بتركيبتها الحالية، لكن ألا يكون التصور بعيداً فى الوقت ذاته عمّا تطلبه الولايات المتحدة.

وتخصص الوثيقة بعض الجوانب لترتيبات الإجراءات الأمنية، إذ يشمل التصور الإسرائيلى بحسب الوثيقة حرية كاملة لجيش الاحتلال الإسرائيلى للعمل على الأرض، وأيضاً نزع كل السلاح من الفلسطينيين ومنع المقاومة من تعزيز قوتها، بالإضافة إلى إقامة منطقة عازلة، والعمل على آلية لمنع عمليات التهريب وفرض رقابة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح (استعدادا لفحص وجود جهات دولية مع صلاحيات إنفاذ فى هذا السياق)، وبناء مساحة آمنة فى البحر، بالإضافة إلى تفاصيل أكثر عمقاً للمدى البعيد، من بينها تغيير جذرى فى برامج التعليم ودور الأونروا فى قطاع غزة.

من جانب آخر، شمل التصور الإسرائيلى عدة جوانب تتعلق بالمستوى المدنى والخدماتي، ركزت جلها على آلية دولية لتقديم الخدمات الإنسانية، وإدارة الحياة اليومية بشكل يجمع بين دول رئيسية وجهات دولية تعمل فى قطاع غزة فى الوقت الحالي، برفقة جهات محلية غير مؤيدة لحماس.

وعلى الرغم من إشارة الوثيقة إلى حكم ذاتى فلسطينى فى القطاع، إلا أن بنودها تؤكد عمليا سيطرة الاحتلال على كل شيء فى قطاع غزة واستمرار الحصار وفرض رقابة عليه، وعلى كل ما يدخل إلى القطاع أو يجرى فيه، هذا فضلاً عن حرية العمل العسكرى وجوانب أخرى واحتلال جزء من المساحات البرية والبحرية بهدف إقامة مناطق عازلة.

واشنطن تزود إسرائيل بالذخائر والدعم الدبلوماسى وحزمة مساعدات ربما تبلغ قيمتها 14 مليار دولار. بمعنى آخر، لدى واشنطن نفوذ، وإذا أراد جو بايدن إنهاء الحرب، فإن إسرائيل ستواجه صعوبات فى تجاهله. فى 8 نوفمبر، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتونى بلينكن، إنه يجب توحيد غزة مع الضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية بمجرد انتهاء الحرب. وكانت هذه أقوى إشارة حتى الآن حول ما تفضله الولايات المتحدة باعتباره نهاية اللعبة فى القتال بين إسرائيل وحماس.

وفى وقت سابق من هذا الشهر، خلال جلسة استماع فى مجلس الشيوخ الأمريكي، اعترف بلينكن أيضًا بأن الدول الأخرى والوكالات الدولية من المرجح أن تلعب دورًا فى الأمن والحكم فى هذه الأثناء..

ويتفق أغلب الخبراء فى واشنطن على أن إنهاء هذه الحرب؛ ليس له خيار سوى استئناف العملية الدبلوماسية لحل الدولتين.

وينشأ سيناريو محتمل آخر، بحيث يكون هناك تحالف للدول العربية -والذى تشعر إسرائيل أن بإمكانه العمل معه-  يعمل كقوة مؤقتة لملء الفراغ الأمنى والحكم فى غزة بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة. ومع ذلك، تدرك واشنطن أنه كلما كانت الحملة الإسرائيلية فى غزة أطول وأكثر دموية، كلما أصبح تأمين تعاون الدول العربية أكثر صعوبة. وفى حين أنه من المرجح أن يوجه الغزو البرى الإسرائيلى ضربة مدمرة لقادة حماس وجنودها ومخابئ أسلحتها، يعتقد معظم المحللين فى واشنطن أن إدارة بايدن ستضطر إلى عقد مؤتمر دولى - على غرار المؤتمر الذى عقد فى مدريد -. بعد حرب الخليج الأولى عام 1991 لإطلاق عملية سلام جديدة - على غرار اتفاقيات أوسلو فى التسعينيات.