للمطالبة بـ «نفقة أقارب».. أمهات ومطلقات أمام المحكمة

محكمة الأسرة
محكمة الأسرة

هبة‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن

تجد نفسها فجأة مسئولة وحدها عن بيت وابناء لا حول لهم ولا قوة، يجب عليها تحمل نفقات المعيشة اليومية من مأكل ومشرب وملبس ودواء، بجانب دفع تكاليف الغاز والكهرباء والاقساط، وفوق كل ذلك تدفع  مصاريف المدرسة والكتب ودروس التقوية، بخلاف المصاريف المفاجأة التى تظهر فى منتصف الطريق دون أن تعمل لها حسابًا فهي مفاجآت الأيام؛ فليتخيل اى انسان ان كل هذا وأكثر يلقى على عاتق الزوجة او المطلقة او الارملة بمفردها، والذى قد لا يتحمله بعض الرجال وهو المسئول الاول عن الدخل، فالنفقة لا يدفعها إلا الرجال؛ والسبب اما وفاة الزوج وهو الامر الخارج عن ارادتها او انفصال الزوج عنها سواء بالطلاق او الهجر، ويتركها تواجه رياح الحياة وأعاصيرها ربما بدون مصدر دخل او دخل بسيط يكاد يكفي إطعام أولادها لعدة أيام، ولا تعرف ماذا تفعل وهى تهرول تبحث عن اى عمل يوفر لها الدخل، وتجد نفسها فى حيرة من أمرها، فهى مطلوب منها ان تلعب دور الام فى الاحتواء والتربية والحنان، والاب حين تعمل ليل نهار لسد احتياجاتهم الماديه.

القانون اعطى للمرأة الحق فى ان تتقدم بدعوى نفقة ضد والد الابناء لانه واجب عليه الانفاق عليهم، كما اعطاها الحق ايضا فى طلب نوع آخر من النفقة وهو المعروف قانونا بـ"نفقة الاقارب"؛ حيث يحق لها طلب النفقة من احد اقارب الزوج من الاب (جد الابناء) او (عم الزوج) او شقيقه، كما اعطاها الحق لطلب نفقة الاقارب من شقيقها اذا كانت مطلقة او ارملة، المثير اننا وجدنا اكثر من دعوى تقدمت بطلتها تطالب من خلالها بنفقة أقارب ضد حماتها "والدة الزوج"، وهذه الجزئية تحديدا يحق لنا أن نتساءل، هل يجوز للزوجة أو الأرملة التقدم بدعوى نفقة أقارب ضد حماتها؟ وما هى شروط نفقة الاقارب التى يمكن للزوجة التقدم بها ضد اقارب زوجها؟، تساؤلات توجهنا بها الى المستشارة القانونية آيه هزاع المتخصصة فى قوانين الاحوال الشخصية، ولكن قبلها نعرض لبعض الدعاوى القضائية لهذا النوع من القضايا.

أنا وحماتي

"ف. أ" ام لطفلين في عمر الزهور الصغيرة تحكي قائلة: نعم أنا أقمت دعوى ضد حماتي هي ما دفعتني لذلك بعدما نغصت عليا حياتي، بدأت بمحضر أمام قسم الشرطة اتهمتها بتبديد المنقولات الزوجية، تقدمت بعدها بدعوي تبديد امام محكمة الاسرة ضدها، ثم أقمت دعوى أخرى طالبتها فيها بما يسمى في القانون نفقة أقارب.

وتستطرد قائلة: كانت علاقتي الزوجية في بدايتها هادئة سعيدة، حتى بدأت حماتي تتدخل في كل أمور حياتنا، لدرجة الطعام الذي أعده وأسماء أبنائي حين انجبت والملابس التي نشتريها، بدأت اعترض على تدخلها وفوجئت بزوجي بدلا من أن يكون حكما بيننا أو يعمل فصل بيني وبينها؛ يقف في صف أمه رغم أنه يدرك إني على حق، لكنه دائما يقول لي في كلمات هي اشبه بالترضية لي (مش ممكن اضايقها استحملي وخلاص)، حاولت التحمل من أجل أبنائي خاصة أنهم صغار السن، لكن الغيرة مني التي هي بلا سبب اعمت قلب حماتي، وبدأت تتلكك لافتعال المشاكل، حتى سافر زوجي للعمل بالخارج، وكأنها الفرصة التي تصفي فيها حساباتها معي، وبدلا من أن تكون أمًا لي أجدها كلما تتحدث الى جيرانها ومعارفها تقول لهم (ابني اتغرب وسافر علشان يصرف عليها)، حملتني مسئولية انه تركها من أجلي، ولم تضع أمام عينيها أن ظروفه الماديه كانت صعبه ولدينا ولدين لابد أن يسعى للإنفاق عليهما.

لكنها – وكما تقول صاحبة الدعوى - تمكنت من الإيقاع بيني وبين زوجي؛ في آخر اجازه له دبت الخلافات الأسريه بيننا، وكانت نهايتها الطلاق، اتفقت أنا وطليقي أن يرسل لنا النفقة من الخارج بل وسوف يراعي الله في أبنائه، ولا يمكن أن أنكر ذلك، لكن بعد سفره بفترة لم أجد أي أموال تأتيني من زوجي، وعندما ارسلت له للسؤال فوجئت بأن أمه ضغطت عليه ليرسل لها النفقة وهي التي سوف تدفعها لنا في مصر، أسرعت إليها للحصول على المبلغ المتفق عليه، لكنها أعطت ابنائي ربعه، متناسيه أنها جدة وهما حفيديها، وادعت انه لم يرسل لها اموالا أخرى، فعلمت انها أخذت النفقة التي يرسلها لنا طليقي، وعندما طلبت منها مفتاح الشقة لأخذ المنقولات الزوجية، لاني كنت قد اتفقت مع طليقي إني ساخذ منقولاتي واترك له الشقه مقابل أن يدفع هو إيجار شقه أخرى وابعد فيها عنها، فوجئت ايضا بوالدته وقد قامت بإخفاء أكثر من نصف الأثاث وقالت لي بمنتهى السخرية (هو ده عفشك)!

جن جنوني، أسرعت إلى قسم الشرطة وحررت محضرا، وأحيل الى النيابة ثم إلى المحكمة بتهمة تبديد منقولات الزوجية، كما اقمت ضدها امام محكمة الأسرة، دعوى نفقة للصغيرين، قلت في دعواي "انها تأخذ النفقة التي يرسلها لهما والدهما دون وجه حق"، وفي انتظار حكم القضاء، لأنها تدعي كذبا أنني اتحصل عليها كاملة، لكني تقدمت بإثبات أن طليقي يرسل لها النفقة المتفق عليها بينما هي تعطينا جزءً قليلا منها، لذلك تقدمت بهذه الدعوى ضدها باعتبار انها نفقة اقارب وامتناع الاب عن النفقة، وهى منظورة الان امام المحكمة.

طليقة ابني

بطلة القضية الثانية من شدة غضبها وسخطها علي طليقها وحماتها، خاصمتها في كل القضايا التي تقدمت بها ضده، تحدثت معنا أم الزوج قائلة: لم افعل لها شيئا وكانت ومنذ زواجها من ابني بمثابة ابنة ثانية لي، لكنها لم تراع الله فيه كزوجة، من اول يوم زواج وهي تفتعل المشاكل مع ابني تركت له منزل الزوجية عائدة الي منزل اسرتها، ومن يومها والمشاكل مشتعلة طوال ثلاث سنوات عمر زواجها من ابني، حتى عندما انجبت ابنتها قمنا بعمل حفل سبوع كبير، لكنها لم تفرح او تشكر يوما، بل افتعلت المشاكل حتي تنهي اليوم تاركة المنزل وذهبت مع اسرتها، للاسف ابني عاش سنوات من العذاب مع زوجة مستهترة لا تعرف قيمة الحياة الزوجية وحتي بعد الطلاق لم ترحمه ظلت تطارده بعشرات القضايا وزاد الامر عندما فوجئت انها تختصمني في دعوتين، الاولي تبديد منقولات زوجية والثانيه نفقة أقارب لابنتها الصغيرة "حفيدتي"، رغم ان ابني يحاول ان يوفر لابنته كل ما تحتاجه من مال لكن طليقته تريد الانتقام مني دون وجه حق.

مأساة رغده

وعلي الجانب الآخر تواصلنا مع "رغده.ع" مطلقة شابة عمرها لا يتعدى ٢٦ سنة قالت بأسي يتخلله ضغط عصبي شديد يظهر من نبرة صوتها: زواجي من ابنها كان اكبر غلطه في حق نفسي، فهو عاطل يعمل عملا غير ثابت، لكنه اوهم ابي بأنه علي وشك الالتحاق بوظيفة ثابته وصدقناه بعد كلامه هو وشقيقه الذي يعمل محاميا في الحي الذي نعيش فيه، وبالكاد اكملنا تأثيث الشقه بعد مساعدات قدمها ابي وشقيقه، وفي ظل مشاكل ومشاحنات لا تنتهي من امه لتقليل نفقات الزواج رغم اني لم اثقل عليه في اي طلبات.

المهم انه تم الزواج وفوجئت اني ارتبطت بشاب فاشل كسول ومدمن، ومن يوم الصباحية تعدى عليّ بالضرب بأمر من امه، تلك المرأة التي تتحدث وتدعي انها عاملتني مثل ابنتها، فهي كاذبه بل السبب في كل المشاكل الواقعه بيننا وهي السبب ايضا في جعل ابنها شاب فاشل لا يعرف معنى تحمل المسئولية، ظلت توسوس له بالا يعطينا المال، حتي عندما حملت ادركت انها نصحته بافتعال المشاكل معي حتي اترك منزل الزوجية واذهب لاسرتي لينفقوا علي من مأكل وعلاج ومصاريف اطباء، وكأني تزوجت حتي اثقل علي اسرتي بنفقات اكثر، لم يصالحني اصلا يوم الولادة واجبرتني علي الذهاب الى بيت اهلي لرعايتي، بل وسلطت زوجي عليّ ليجبرني على عمل سبوع لابنتي بأموال اعطوها لي اسرتي، حتى تتباهى امام عائلتها دون ان تدفع جنيها واحدا، لم افهم كل ذلك الا متأخرا، وقررت عمل وقفه له ولامه بعد ان كانت السبب في علقه جديدة لاني اصريت علي خروجه للعمل وتحمل المسئولية.

طلبت الطلاق لكنه رفض وعايرتني امه بأني من اسرة بسيطة ولن نقدر علي الوقوف في وجهه وشقيقه المحامي، قالت لي مهددة إياي نصًا؛ "سوف يسحلني في المحاكم"، لكني لم اتردد للحظة وتقدمت بكل الدعاوي القضائية التي تمكني من استرداد حقي، وبالفعل حصلت علي حكم لصالحي بالطلاق خلعا، كما تقدمت بدعوى تبديد منقولات زوجية ضد طليقي وامه، لانها هي التي تحرضه علي الامتناع عن اعطائي حقي، وكذلك طالبتها باعطاء بنفقة لحفيدتها؛ لانها تمتلك معاشا ومجوهرات وهي التي حرضته على عدم الانفاق عليّ وعلي بنتي سواء قبل الطلاق او بعده، كما ان ابنها عاطل لا يعمل ولا يمتلك قوت يومه حتي ينفق علي ابنته، لذلك تقدمت ضدها بدعوي نفقة اقارب لحفيدتها لان ابنها وهو الاب لا يعمل ولا يمكنه دفع النفقه، لكن للاسف تم رفض دعوى تبدبد المنقولات لان طليقي وحده هو المسئول عن قائمة المنقولات، فقمت باعادة الدعوى من جديد واختصمت فيها طليقي وحده، اما دعوى النفقة فهي منظورة امام المحكمة، قدم فيها طليقي اوراقا تثبت أنه يعمل متقطعا وليس ثابتا في عمل محدد، وطالب باسقاط الدعاوي عن امه لانها مسنه ولا تستطيع دفع النفقة، وانه سوف يتحمل نفقة ابنته وفي انتظار الحكم.

مسؤولية من؟!

وبسؤال المحامية آية هزاع المستشارة القانونية المتخصصة في قضايا الأحوال الشخصية، هل يمكن للزوجة أن تتقدم بدعوى تطالب فيها بنفقة ضد حماتها أو أحد أفراد عائلة زوجها؟!، اجابت قائلة: المعروف أن النفقة مسؤولية الذكور، ولا يمكن أن تتقدم زوجة بدعوى ضد حماتها تطالبها فيها بالنفقة لأنها في النهاية امرأة مسنة لا تملك إلا معاشها من عملها واذا لم تكن تعمل فهي تحصل على معاش زوجها أو غيره، وبجانب كل هذا فهي في الغالب نكون مريضة بأمراض الشيخوخه وتحتاج إلى علاج، لذلك إذا طالبت الزوجة أو المطلقة بنفقة أقارب من حماتها، بمجرد أن تقدم الحماة المستندات التي تؤكد مرضها وحصولها على علاج وانها لا تحصل الا على معاشها الذي يكون بسيطا يتم رفض الدعوى على الفور.

اما عن نفقة الأقارب، طالما أن الأب لا يدفع النفقة للأبناء سواء كانت العلاقة الزوجية قائمة أو وقع الطلاق بالفعل ولأي سبب سواء مرض الأب أو سفره أو بسبب البطالة من العمل أو امتناعه عن الإنفاق لأي سبب؛ فيمكن للزوجة أن تتقدم بدعوى ضد الجد أو العم (اشقاء الزوج  الذكور)، أو حتى العمة (الشقيقة) إذا كانت تعمل ولها تأمين، وممكن أن تتقدم أيضا ضد عم  الأب (الذكور من العصب)، لأنها ترفع الدعوى باسم الابناء ولم تطلب شيئا لها، والنفقة تكون على الاب أو أحد أقاربه كما ذكرنا.

ويكون الحكم الصادر ليس حسب دخل الزوج (الأب) كما هو المتبع؛ حيث تطلب الزوجة من المحكمة بطلب تحري على دخل الزوج، سواء من عمل حكومي أو خاص، ويتم سرد كل دخله أمام القاضي، ويمكن للزوج أن يتقدم في نفس اللحظه وفي نفس الجلسة أمام القاضي بدعوى فرعيه يقول في صحيفتها انه ينفق على والديه ويرفق بها مستندات من ورشتات وغيره، وإذا كان لديه اخت مطلقه أو أرملة يمكن أيضا أن يرفق ذلك ويقول انه يرعى كل ذلك، وبالطبع يصدر الحكم حسب تقدير القاضي، ولكن القضاه يدركون تماما أن كل ذلك ربما يكون بغرض التحايل من الزوج لتقليل النفقة. 

اما اذا تقدمت الأم بدعوي النفقه ضد أحد أقارب الأب، في هذه الحاله لا يتم الحكم بناء على دخل هذا القريب ولكن يكون حسب إمكانياته المتاحة؛ فإذا تقدمت الام مثلا بدعوى ضد عم الاب بطلب نفقة أقارب، فهو يقدم انه رب اسرة مكونة من عدد من الأبناء ودخله بالكاد يكفي نفقاتهم، لذلك يتم الحكم بالنفقه ولكن تكون قليله حسب إمكانياته.

وأنهت آيه هزاع المستشارة القانونية كلامها عن نفقة الأقارب قائلة: وعن نفقة الأقارب بوجه عام، هناك دعاوى قضائية أخرى؛ حيث يحق للأب أو الأم أن يتقدم بدعوى ضد الابن يطالب فيها بنفقة أقارب، كما يحق للأخت الأرملة أو المطلقة او حتى الفتاة التي لا تعمل وليس لها مصدر دخل، أن تتقدم أيضا بدعوى نفقة اقارب ضد شقيقها، ويمكن أن تقام الدعوى ضد الابنة الفتاه أو الشقيقه إذا كانت تعمل ولها دخل وليس فقط الابناء الذكور، وحالة أخيرة لنفقة الاقارب عندما يصل الابن إلى السن القانوني للحضانة 15 سنة؛ فلا يمكن للأم أن تتقدم بدعوى نفقة ضد الأب، ولكن على الابن أن يتقدم بنفسه وباسمه بدعوى مباشرة ضد والده يطالب فيها بنفقة لنفسه دون تدخل الأم.

إقرأ أيضاً : أمام محكمة الأسرة .. صراع الجدة والأم على ضم الطفل


 

;