«حوار مع حكيم عربي» قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

الدكتور صلاح البسيوني
الدكتور صلاح البسيوني

 

جلست مع حكيم عربي جلسة تعارف أحالها بحلو حديثه إلى جلسة معرفة.. شكوت له حالي وضيق صدري .. وسوء حظي في ترحالي وغربتي خارج وطني .

 

قال لي: يا بنى أنت لست بغريب ولا بضيف هنا.. أنت في بلدك .. لا أقولها مجاملة لوجودك ولا مراعاة لمشاعرك.. ولكن أقولها عن واقع تتناساه .. وحقيقة خلقت مع الحياة .. أنت مصري تتكلم بلسان عربي.. وكل بلد ينطق بالعربية بلدك.. وكل شعب بلغة الضاد حديثه هم أهلك .. ولست بضيف لأن الضيف يقدم إليه أطايب الطعام وما يلازمه من كرم الضيافة.. وأنت لا تأكل من كرم الآخرين.. فطعامك وملبسك هو من حر مالك ومن كدك وعرقك.. ولذا تكون من أهل البلد لغة وديناً.. عملا وعرقاً.. فمن أين تأتي الغربة؟ .

 

أما عن همك وغمك وضيق صدرك وسوء حظك مع عمك (أي كفيلك) .. فلابد من كلمة أقولها لك.. هنا في بلدي الكفيل كفيل.. الزوجة يمكنها أن تحصل على الطلاق من زوجها بمجرد طلبها.. ولكنك لا يمكنك أن تترك كفيلك بمجرد طلبك.. فتذكر ذلك جيداً واعمل على إرضائه أو مجاراته حتى ينتهي تعاقدك.. وتذكر أن الرجال يا بنى تطعن وتطحن أي عند الشدائد تقاتل وتطعن كالفرسان ويمكنها عند الضرورة أن تطحن الحبوب مثل النساء.. لا حرج عليهم مادام الرجل شريف ولم يغضب الله.

 

تذكر أنك قد جئت هنا للعمل وكلك أمل أن تعود إلى أهلك بجيوب متخمة بالمال.. فلا تحاول العيش بإسراف أهل الدار فتظل طول العمر في ترحال.. ولا تكن لصاً !!.. مهلا.. لا تفهمني خطأ فاللص عندنا هو من يأكل فضلات الموائد.. وعليك أن تربط القماط على بطنك تعتصرها حتى لا تمتلئ .. وترتدي من الثياب أرخصها حتى لا تذهب أموالك هباء .

 

وعند عودتك لا إسراف في الهدايا.. للجار وابن الجار.. بل لأهل بيتك والمقربين منك.. حتى لا يضطرك  الإسراف إلى الترحال من جديد.. فأنت تحتاج إلى خميرة تصنع منها مستقبلك عند العودة والاستقرار .

 

وتذكر إن كنت صاحب حق أن تطالب به.. وتأكد أنك ستحصل عليه.. فهنا السيف شعارنا والإسلام ديننا وقانوننا.

 

وأخيراً ما أقوله لك هو جزء من عصارة عمر بلغ ما يزيد عن السبعين عاماً.. وحياة عائلية بلغت ستة وعشرون زيجة انقضت.. وحياة عملية بلغت خمس وأربعون عاماً ولا زالت ممتدة عملاً بسلاح الحدود.. أصارع فيها الحياة صراع الرجال وأعاركها عراك الفرسان.

فتذكر ذلك يا بني .. وتذكرني .