«امرأة أمرضها الانتظار» قصة قصيرة للكاتب الدكتور حاتم نعام

الكاتب الدكتور حاتم نعام
الكاتب الدكتور حاتم نعام

 

أي سر في أحمد وحيد جعلها تعشقه بجنون، أي فن يتقنه حتى يكون جذاباً إلى هذا الحد، يبهرها، يداعب أحلامها، يصيب هدفها، ما هذا الاهتمام البالغ والبحث الدائم عن أحمد وحيد.

 

أحمد وحيد ليس لديه ما يكفي لجذب النساء، ليس وسيما، لا يتحلى بروح الفكاهة، غير مرح على الإطلاق، عندما يضحك يكون ذلك في خباثة.

 يقف صديقه جمال  منبهرا  أمام تلك الرسائل الكثيرة التي تلقاها من خلال صفحته الفيسبوكية.

البداية دخول دون إذن مسبق على غرفة الدردشة الخاصة، لا يعلم مع من يتحدث خلف تلك الآلة الصماء الخالية من المشاعر، لاحقته الرسائل بكثرة، وأقنعه الفضول ذات مساء أن يتفاعل معها بحرص وحذر، رد بالسؤال من أنت وماذا  تريد من أحمد وحيد؟  جاء الرد  كالغيث للطرف الآخر، وانهالت الأسئلة عن أحمد وحيد كالحمم البركانية، أين هو، ماذا يفعل، كيف يعيش؟  لكن من أنت ؟

أجابت: إيمان من فلسطين، أريد أحمد

 تعجب جمال من جرأتها يكاد الحب يفتك بها، كتب يقول كيف أثق في عالم افتراضي ليس له ضوابط، كيف أثق فيما يقال؟

أقسمت أنها هي، إيمان من فلسطين لا أريد شيئا سوى احمد أين احمد.؟

ما كل هذا الحب ؟ ما كل هذه اللهفة ؟ يبدو أنها قصة حب عظيمة لصديقي، هكذا تحدثت نفس جمال، طلبت التحدث معه هاتفيا لأمر ضروري غاية الخطورة، بعد تردد استجاب، ليسمع صوت أنثوي مبحوح لا يخلو من العذوبة،  أنا إيمان فلسطينية، هل تتواصل مع أحمد وحيد؟ أجاب نعم، هو صديقي.

قالت انقطع الاتصال به منذ فترة لم أستطع أن أحدد قبلته، فقدت بوصلته، أريد أن أعرف أين أرضه، أين سماؤه؟

 ليتك تتوسط لدى صديقك حتى يستجيب لرسائلي، وأن تبلغه لهفتي على غيابه.

انتهت المكالمة سريعا ليجلس جمال مذهولا.. يبدو أن نظراته إلى أحمد وحيد المؤدب الخلوق الذي لا يخالط النساء ستتغير  بعد اليوم إلى أحمد دنجوان .

على الفور تواصل هاتفيا مع صديقه الذي يعمل في إحدى دول الخليج مداعبا كاشفا له عن مغامراته العاطفية، يبشره أن هناك حبيبة تنتظره، تبحث عنه، تهتم به، يصمت احمد قليلا  تلعثم في الكلام، تماسك قليلا وتوسل إلى صديقه قائلا لا تخبر إيمان أنك توصلت إلى، بلغها أنك فقدتني في الزحام .

قاطعه جمال بطريقة خشنة، هي تحبك، تبحث عنك، لماذا الارتباك، لماذا الفرار؟

حاول أحمد وحيد أن يقنع صديقه بأن يفعل ما يطلب منه لكن دون جدوى،  اضطر مع الحصار والملاحقة أن يحكي له، انتهت المكالمة جلس جمال في صمت رهيب فاقدا توازنه كأنه تلقى ضربة قوية على رأسه

إيمان لا تبحث عن الحب،  تبحث عن داعم لها في مواجهة نوائب الدهر بعد أن تعرض منزلها الذي يقع في القطاع لقصف صاروخي في ديسمبر 2008 فقدت خلاله الزوج والعائلة وكتب لها النجاة مع طفليها، انقلبت بعدها الحياة رأسا على عقب، لاقت مصيرا قاسيا، دفعها ذلك أن تكتب مأساتها على وسائل التواصل،  تفاعل أحمد وحيد مع تلك الحالة الإنسانية التي هبت عليها رياح الخماسين في غير موسمها، استمر لسنوات داعما لها، يرسل إليها حوالات بنكيه، لكن تغيرت أحواله دون سبب، تجاهل رسائلها، تركها تواجه الألم  بعد أن عصفت بها كل الأرجاء، هرب بعيدا غير مبال أن الفلسطينية أمرضها الانتظار.