«بطعم الفراولة» قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

محمود حمدون
محمود حمدون

أخبرتني منذ برهة أن: زاوية الميل تجعلنا نشعر بحرارة الصيف اللاهبة، برودة الشتاء القارصة.

فالشمس لا تشعر بنا ولا تريد بنا شرًا أو خيرًا، نحن من ندور حولها ونتأرجح، على أيدينا يُخلق الحر القاتل، الصقيع المميت، تنهّدت قليلًا، عادت وقالت: ما ذكرته لك ينتهي بنقطة، بعدها قد يبدأ سطر جديد أو ربما صفحة أمزّقها شر تمزيق لحساب صفحات أخرى أرجو أن تكون أفضل من سابقاتها.

كنت أصغي لحديثها، أنظر في عينيها مباشرة، أحاول أن أسبح في منطقة الخطر بعقلها، تلك التي لا تحذير ينفع المرء أن ساقته قدماه إليها، حينها يعرف أن كل دعوات أمه لم تُستجب، أن ساعته ربما أوشكت.

غير أني ألقيت بالتحذيرات وراء ظهري، اقتربت من أهدابها، راقبت حركة شفتيها، تتبّعت آثار أحمر الشفاه على أسنانها الأمامية.. قبيل وصولي لغايتي، صاحت بحدة: أنت معي؟

فقلت: رفقًا بي، إن لم أكن معك فمع من؟

-هل وعيت كل ما قلت؟

فأجبتها: منذ أن وعيت على الدنيا وأنا أومن أن الحياة زاخرة بنقاط لا حصر لها، منها:

نقطة وتعب جديد.

نقطة ومشّقة في اللحاق بك.

نقطة وتيه غرقت فيه من أربعين سنة ولم أخرج منه بعد.

ثم نقطة أخرى يصحبها صبر لم يشهد العالم مثله.

نقطة وبعدها بدأ وهم لذيذ لازمني منذ سنوات قليلة، نقاط كثيرة تهاوت بعيني وأخرى ارتفعت حين راقبت الحد الفاصل بين عينيك ونحرك.

ثم اقتربت أكثر، بخنصري الأيسر مسحت بعض طلاء شفتيها، أزاحت يدي برفق، قالت: الخطأ أن تخوض معركة بأرض لا تعرفها.

فأعدت يدي وتركت أناملي تفعل ما تشاء، قلت: الخطيئة ألا أفعل، احتدّ صوتها، قالت: لك جرأة تقترب من الوقاحة.

آلمتني كلماتها الجارحة كحد الموسى، فتركت ما بين يدي، اعتذرت لها، رجوتها أن تقبل أسفي على سوء تصرفي، لم أتركها حتى رضيت عنيّ وضحكت، حينها أقبلت عليها بكليّ، حتى غبتُ فيها، لمّا أفاقت لم يكن منها إلّا بقايا من طلاء شفاه بطعم الفراولة.