«أرض الغزال» قصّة قصيرة للكاتبة نورهان حمدي

الكاتبة نورهان حمدي
الكاتبة نورهان حمدي

في زمان ليس بقريب ومكان ليس بالبعيد، على تلك الأراضي الخضراء الشاسعة، عاشت فصائل من الحيوانات معا، تحابوا وتآلفوا برغم اختلاف انواعهم

ربطتهم أرض وسماء واحدة، جعلوا من أنفسهم قوة عظيمة جبارة يرهب كل من حاول مواجهاتها

وفي الجهة الأخرى، أراضي مظلمة باردة ومقفرة، سكنها من كان يشبهها وارتبطت صفاتهم بصفاتها؛ الأسود والأفاعي والديوك، ثلاثة ممالك عاشوا بجوار بعضهم، كل منهم يبغض الآخر وكل منهم حاقد على الآخر، ولكن جمعهم هدف واحد وهو القضاء على تلك القوى في الجهة الأخرى.

أرضهم بور، قاسية لا تصلح لشيء، كل ما ينمو فيها فاسد حتى لو كانت بذرته صالحة مثلهم تماما، وتلك الأراضي النابضة بالنور والحياة هي وسيلتهم للخروج من ظلامهم.

على مدار الأزمان حاولوا كثيرا مهاجمة الأراضي الخضراء ولكن دائما ما باءت بالفشل.

اجتمع قائد الأفعى بملك الأسود وملك الديوك في يوم حول طاولته ليجدوا حيلة جديدة يقضوا بها عليهم.

-الأفعى بغضب:  لقد سئمت منهم وضاقت بي الحيل، علينا هذه المرة النجاح في التخلص منهم.

-الديك: نعم، تلك الحيوانات الغبية تتمتع بكل هذا وحدها

-الأسد: أنا بقوتي هذه أعيش كالفئران في الظلام وهم كالملوك على الأراضي الخضراء.

-الأفعى باستهزاء: قوتك! كم من مرة حاولتم الحصول على أراضي منهم وفي كل مرة يطردونكم وتعودون إلى بالنحيب.

الديك: من حقك أن تستهزئ بنا فأنت منذ دخلت أرض الثيران قضيت عليهم جميعا وفزت بتلك الأراضي الشاسعة وحدك.

-الأفعى بترفع: كان عليكم التعلم مني ،مثل هؤلاء لا يستحقون سوى الانقراض.

- الأسد: لكن كيف و هم كثر.

-الأفعى: إذا علينا تفريقهم ، ولنتسلى بكل مجموعة منهم على حدا.

-الديك: أجل، سنفرقهم ونجعلهم يكرهون بعضهم بل ويحاربون بعضهم البعض أيضا بدون تدخل منا وهكذا نكسب بعضهم في صفوفنا ونأخذ منهم ما نريد.

-الأفعى ضاحكا: وأخيرا يا عزيزي قلت شيئا مفيدا غير الصياح.

أدار الديك منقاره المرفوع مستنكرا مزاح الأفعى.

-الأسد ضاحكا: دعونا نحتفل بتلك الخطة الرائعة ، ربما وأخيرا حان عصر قوتنا.

على الجهة الأخرى و على مساحات كبيرة خضراء، تلقي الشمس بأشعتها الناعمة على الأنهار الصافية، عاشت عليها الإبل والغزلان، الصقور، النسور والضباع في سلام دام أزمنة عديدة، حتى جاءت تلك الليالي المشئومة وتسللت الثعابين تبخ سمها فيهم وأوقعت الفصائل ببعضهم وخلقت بينهم الطمع والخيانة ولم تخرج منها حتى قضت على كل معاني الخير في تلك الأراضي، السم إن لم يميتهم فقد قتل ما بينهم.

انفصل كل قائد بجماعته خوفا عليها، فكل منهم صار يكره ويخَون الآخر.

وجاء الأفعى لملك الإبل قائلا: أيها الملك، أنت عظيم وأرضك شاسعة مليئة بالخير، تعلم أن لك جيران في الأراضي الخضراء يكنون لك الحقد على ملكك هذا وينتظرون لحظات ضعفك حتى ينهالون على أرضك، دعني أقوم بحمايتك على أن تجعل لي نصيبا من خيرات أرضك.

بدون تردد وافق ملك الإبل من خوفه على ضياع ملكه.

هناك بعيدا في الأراضي المظلمة التي لم تعد مظلمة وقد ملئت بخيرات الأراضي الخضراء، ظل ساكنيها يهللون ويحتفلون أعواما وأعواما بهذا الانتصار العظيم.

في إحدى الليالي اجتمع الملوك الثلاثة حول نفس الطاولة

-الديك صائحا كعادته: لم أعد احتمل وجود تلك الكائنات العفنة على أرضي ، يجب أن تجدوا لي حلا فكلما طردتهم عادوا مرة أخرى.

-الأسد:  كذلك في أرضي يمرحون فيها كما لو كانت أرضهم، لا تعلم كم أتمنى أن أفعل بهم كفعل ذلك الطائر الأسود. كان معه الحق في التخلص منهم.

-الأفعى: أتعلمون أن تلك الخنازير المزعجة تنوح لي ليلا ونهارا تريد أن تكون لهم أرضا وحدهم.

-الديك: حقيقة هذا الحل لنا جميعا أعط لهم جزءا من أرضك تكون ملكا لهم وننتهي من نواحهم.

-الأفعى: حقا! ولما لا تعطيهم من أرضك أنت؟!

-الديك: أرضي ؟! بالطبع لا، إنهم جشعون لا يكتفون، يريدون أخذ أي شيء وكل شيء كأنه حقا لهم، لتجدوا لهم مكانا آخر يلوثونه برائحتهم النتنة.

-الأسد: لما لا نلقي بهم في الأراضي الخضراء، فبعضا منهم يعيش بسعادة هناك.

-الديك: لكن فصائل تلك الأراضي لن تتقبل هذا.

-الأسد: دعك منهم، إنهم ضعفاء ومتفرقين فلنتخلص من تلك الخنازير، استدعوا قائدهم لنطلعه بالأمر.

الأفعى للخنزير: أيها العزيز، كنت قد طالبتنا كثيرا أن تكون لك أرضا ملكا لك وجماعتك وها نحن اليوم نحقق لك مطلبك.

الخنزير: وأين تقع تلك الأرض، ليكن بعلمك لن أذهب إلى مكان مقفر، أريدها أرضا جميلة ومليئة بالخيرات.

الأسد متصنع الود: يا صديقي لقد وعدتك بهذا من قبل، أرضك ستكون جميلة كما تمنيت هناك في الأراضي الخضراء.

الخنزير بفرح: حقا! هل أنت صادقا هذه المرة.

الأسد: بالطبع، هذه المرة ستعيش أنت وجماعتك معا بأرض لكم وحدكم.

الخنزير: حسنا، نحن نريد الذهاب لأرض الغزلان، هذا ما حلمنا به طويلا.

الأفعى: لك هذا يا عزيزي، تأكد من أننا لن نتركك إلا وأنت راضيا سعيدا هناك في أرضك.

الأسد: وأنا وعشيرتي سنكون معك لحمايتك هناك إذا ما اعترض أحد على وجودك.

الخنزير: حسنا سأذهب لأخبر جماعتي الآن.

الديك: هذا اللعين، إنه حتى لم يشكرنا.

الأسد: المهم إننا تخلصنا منهم أخيرا.

الأفعى براحة وسعادة: دامت لنا تلك الطاولة يا أصدقائي.

وما اتفقوا عليه هو ما حدث، ومرت أعوام وأعوام والخنازير تنهش في أرض الغزلان، لا تكتفي ولا تدع الغزلان تهنأ ببعض خيرات الأرض. وكلما تركوا لهم أرضا أتت الخنازير الجشعة خلفهم، هاجت الغزلان عليهم كثيرا ولكن كانت الخنازير بفضل الأفعى والأسد تفوز بقطعة أخرى من الأرض.

الغزلان وحدها تصارع مصيرها وحدها وأصدقائهم القدامى لم يتحركوا لنجدتهم .

ضاق الغزلان بهذا الوضع، فذهب قائدهم إلى صديقه القديم يطلب مساعدته.

-النسر: سامحني يا صديقي، لا أستطيع أن أحميك منهم، تعرف هم أقوياء جدا وأخاف أنا أيضا على أرضي.

-الغزال: ولكن الأرض الخضراء قوية، نحن معا سنتخلص منهم.

-النسر: نحن! أتقصد من؟ أنا، الصقور، الإبل والضباع! يا عزيزي لم يعد هناك نحن، ألا ترى؟! الصقور تصارع بعضها والضباع اسفي عليها عبثا تحاول التماسك والإبل … الإبل غارقة في نعيم أرضها.. الإبل يا صديقي لم تعد منا.

-الغزال بحسرة: هل يعني هذا أنكم ستتركونني فريسة لهم ؟

-النسر: أنا بصدق آسف على ما يحدث معك ، لكني لن أصارع أحدا ، أريد الحفاظ على أرضي.

-الغزال: لكن أليست أرضي هي أرضكم. إن لم تدافعوا عنها معي من سيفعل؟ اسمع، سأذهب الى الإبل وسنجتمع معا لمواجهتهم، لن نخاف بعد اليوم فهم لن يقدروا علينا، نحن الأقوى، هكذا كنا دائما في الماضي.

-النسر: صدقني لن يجدي هذا نفعا ، لقد قلت لك. الإبل أصبحت علينا وإن حاربت ستحاربك أنت.

-الغزال وقد يئس منهم: حسنا، هذا يعني أنه لا فائدة منكم، سأذهب وستواجه الغزلان وحدها، لن أترك أرضي لهؤلاء، ولكن تذكر أنت والآخرون هذا جيدا.. إن انتهيت أنا.. تكون نهايتكم أيضا، سيأتون من أجلكم واحدا تلو الآخر، لن يتوقفوا حتى يقضوا علينا جميعا وتصبح الأراضي الخضراء بأكملها ملكا لهم.