..ما يطفو على سطح الأحداث خلال السنوات الاخيرة يدعو بالفعل للإحباط واليأس بعد أن اختلت المعايير وسادت المفاهيم الخاطئة في معظم المجالات.
غابت القدوة والمثل العليا التي يمكن أن يحتذي بها الشباب الذين أصبحنا عاجزين عن إقناعهم أن العلم والكفاح والسعي هم السبيل الوحيد لتحقيق المكانة المرموقة في المجتمع والحياة الكريمة التي يحلمون بها.
كيف نقنع الشاب الموهوب الذي يمتلك موهبة صادقة أن الموهبة الحقيقية والعمل الجيد هم السبيل لتحقيق النجاح في مجال الغناء والطرب وهو يشاهد بعينه قمم فنية مثل علي الحجار ومحمد ثروت ومحمد الحلو يجلسون في منازلهم بلا عمل منذ سنوات في حين يحتل الصدارة في الساحة الغنائية اصوات منكرة أشبه بنعيق البوم مثل حمو بيكا وشاكوش وكسبره وغيرهم من الكوارث الفنية التي لا تمت للفن الحقيقي بصلة وتقدم كل انواع التفاهات والابتذال.
كيف نقنع الشاب المتفوق الذي التحق بكلية الاعلام وتعلم على ايدي اساتذة محترمين كيف يكون مذيعا ناجحًا أن فرصته العادلة ستأتي وهو يشاهد الراقصات والممثلات ولاعبي الكرة يحتلون مقعد المذيع في معظم القنوات الفضائية ويتولون تقديم البرامج بلا دراسة او مقومات.
كيف نقنع طفلا رياضيًا موهوبًا يحلم بتكرار نموذج النجم العالمي محمد صلاح بأن حلمه مرهون بموهبته وحصوله على فرصة عادلة لتقديم نفسه وهو يشاهد اختبارات الناشئين في معظم الاندية الرياضية تحكمها الواسطة والعلاقات الشخصية والهدايا ولغة المال حتى اصبحت معظم الاندية الكبرى حكرًا على ابناء اللاعبين والمدربين في ظاهرة معروفة في الوسط الرياضي باسم اللاعبين ابناء العاملين.
كيف تقنع طبيبا نابغة أو باحث عبقري أن العلم هو السبيل لنهضة الامم وهو يشاهد أي بلوجر تافه يقدم محتوى أتفه منه على السوشيال ميديا يتحول إلى مليونير في زمن قياسي وهو جالس في منزله أمام كاميرا الموبايل بدون أي مجهود.
في كتابه الشهير "نظام التفاهة" : يقول الكاتب الكندي آلان دونو
"إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام، لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم ، ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء، بكل تفاهتهم وفسادهم؛ فعند غياب القيم والمبادئ الراقية، يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيماً " إنه زمن الصعاليك الهابط".
وكلما تعمق الإنسان في الإسفاف والابتذال والهبوط كلما ازداد جماهيرية وشهرة".
إن مواقع التواصل نجحت في ترميز التافهين، حيث صار بإمكان أي جميلة بلهاء، أو وسيم فارغ أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين، عبر عدة منصات تلفزيونية عامة، هي أغلبها منصات هلامية وغير منتجة، لا تخرج لنا بأي منتج قيمي صالح لتحدي الزمان..." !!!
صدق الكاتب الكندي بالفعل فيما طرحه، فهذا ما نراه على ارض الواقع بكل حذافيره للأسف .. ولا عزاء للموهوبين بحق والمجتهدين بصدق والمفكرين بعمق، فالتفاهة تكسب.