عصير القلم

التفاهة تكسب

أحمد الإمام
أحمد الإمام

‭..‬ما‭ ‬يطفو‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأحداث‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الاخيرة‭ ‬يدعو‭ ‬بالفعل‭ ‬للإحباط‭ ‬واليأس‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اختلت‭ ‬المعايير‭ ‬وسادت‭ ‬المفاهيم‭ ‬الخاطئة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬المجالات‭.‬

غابت‭ ‬القدوة‭ ‬والمثل‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحتذي‭ ‬بها‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬أصبحنا‭ ‬عاجزين‭ ‬عن‭ ‬إقناعهم‭ ‬أن‭ ‬العلم‭ ‬والكفاح‭ ‬والسعي‭ ‬هم‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لتحقيق‭ ‬المكانة‭ ‬المرموقة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬والحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬التي‭ ‬يحلمون‭ ‬بها‭.‬

كيف‭ ‬نقنع‭ ‬الشاب‭ ‬الموهوب‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬موهبة‭ ‬صادقة‭ ‬أن‭ ‬الموهبة‭ ‬الحقيقية‭ ‬والعمل‭ ‬الجيد‭ ‬هم‭ ‬السبيل‭ ‬لتحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الغناء‭ ‬والطرب‭ ‬وهو‭ ‬يشاهد‭ ‬بعينه‭ ‬قمم‭ ‬فنية‭ ‬مثل‭ ‬علي‭ ‬الحجار‭ ‬ومحمد‭ ‬ثروت‭ ‬ومحمد‭ ‬الحلو‭ ‬يجلسون‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬بلا‭ ‬عمل‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يحتل‭ ‬الصدارة‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الغنائية‭ ‬اصوات‭ ‬منكرة‭ ‬أشبه‭ ‬بنعيق‭ ‬البوم‭ ‬مثل‭ ‬حمو‭ ‬بيكا‭ ‬وشاكوش‭ ‬وكسبره‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الكوارث‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬للفن‭ ‬الحقيقي‭ ‬بصلة‭ ‬وتقدم‭ ‬كل‭ ‬انواع‭ ‬التفاهات‭ ‬والابتذال‭.‬

كيف‭ ‬نقنع‭ ‬الشاب‭ ‬المتفوق‭ ‬الذي‭ ‬التحق‭ ‬بكلية‭ ‬الاعلام‭ ‬وتعلم‭ ‬على‭ ‬ايدي‭ ‬اساتذة‭ ‬محترمين‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬مذيعا‭ ‬ناجحًا‭ ‬أن‭ ‬فرصته‭ ‬العادلة‭ ‬ستأتي‭ ‬وهو‭ ‬يشاهد‭ ‬الراقصات‭ ‬والممثلات‭ ‬ولاعبي‭ ‬الكرة‭ ‬يحتلون‭ ‬مقعد‭ ‬المذيع‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬ويتولون‭ ‬تقديم‭ ‬البرامج‭ ‬بلا‭ ‬دراسة‭ ‬او‭ ‬مقومات‭.‬

كيف‭ ‬نقنع‭ ‬طفلا‭ ‬رياضيًا‭ ‬موهوبًا‭ ‬يحلم‭ ‬بتكرار‭ ‬نموذج‭ ‬النجم‭ ‬العالمي‭ ‬محمد‭ ‬صلاح‭ ‬بأن‭ ‬حلمه‭ ‬مرهون‭ ‬بموهبته‭ ‬وحصوله‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬عادلة‭ ‬لتقديم‭ ‬نفسه‭ ‬وهو‭ ‬يشاهد‭ ‬اختبارات‭ ‬الناشئين‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الاندية‭ ‬الرياضية‭ ‬تحكمها‭ ‬الواسطة‭ ‬والعلاقات‭ ‬الشخصية‭ ‬والهدايا‭ ‬ولغة‭ ‬المال‭ ‬حتى‭ ‬اصبحت‭ ‬معظم‭ ‬الاندية‭ ‬الكبرى‭ ‬حكرًا‭ ‬على‭ ‬ابناء‭ ‬اللاعبين‭ ‬والمدربين‭ ‬في‭ ‬ظاهرة‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الرياضي‭ ‬باسم‭ ‬اللاعبين‭ ‬ابناء‭ ‬العاملين‭.‬

كيف‭ ‬تقنع‭ ‬طبيبا‭ ‬نابغة‭ ‬أو‭ ‬باحث‭ ‬عبقري‭ ‬أن‭ ‬العلم‭ ‬هو‭ ‬السبيل‭ ‬لنهضة‭ ‬الامم‭ ‬وهو‭ ‬يشاهد‭ ‬أي‭ ‬بلوجر‭ ‬تافه‭ ‬يقدم‭ ‬محتوى‭ ‬أتفه‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬مليونير‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬قياسي‭ ‬وهو‭ ‬جالس‭ ‬في‭ ‬منزله‭ ‬أمام‭ ‬كاميرا‭ ‬الموبايل‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬مجهود‭. ‬

‏في‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭  "‬نظام‭ ‬التفاهة‭" : ‬يقول‭ ‬الكاتب‭ ‬الكندي‭ ‬آلان‭ ‬دونو

‭"‬إن‭ ‬التافهين‭ ‬قد‭ ‬حسموا‭ ‬المعركة‭ ‬لصالحهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬لقد‭ ‬تغير‭ ‬الزمن‭ ‬زمن‭ ‬الحق‭ ‬والقيم‭ ‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬التافهين‭ ‬أمسكوا‭ ‬بكل‭ ‬شيء،‭ ‬بكل‭ ‬تفاهتهم‭ ‬وفسادهم؛‭  ‬فعند‭ ‬غياب‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬الراقية،‭ ‬يطفو‭ ‬الفساد‭ ‬المبرمج‭ ‬ذوقاً‭ ‬وأخلاقاً‭ ‬وقيماً‭ " ‬إنه‭ ‬زمن‭ ‬الصعاليك‭ ‬الهابط‭".‬

‏وكلما‭ ‬تعمق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الإسفاف‭ ‬والابتذال‭ ‬والهبوط‭ ‬كلما‭ ‬ازداد‭ ‬جماهيرية‭ ‬وشهرة‭".‬

‏إن‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬ترميز‭ ‬التافهين،‭ ‬حيث‭ ‬صار‭ ‬بإمكان‭ ‬أي‭ ‬جميلة‭ ‬بلهاء،‭ ‬أو‭ ‬وسيم‭ ‬فارغ‭ ‬أن‭ ‬يفرضوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬المشاهدين،‭ ‬عبر‭ ‬عدة‭ ‬منصات‭ ‬تلفزيونية‭ ‬عامة،‭ ‬هي‭ ‬أغلبها‭ ‬منصات‭ ‬هلامية‭ ‬وغير‭ ‬منتجة،‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬لنا‭ ‬بأي‭ ‬منتج‭ ‬قيمي‭ ‬صالح‭ ‬لتحدي‭ ‬الزمان‭..." !!!‬

صدق‭ ‬الكاتب‭ ‬الكندي‭ ‬بالفعل‭ ‬فيما‭ ‬طرحه،‭ ‬فهذا‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬على‭ ‬ارض‭ ‬الواقع‭  ‬بكل‭ ‬حذافيره‭ ‬للأسف‭ .. ‬ولا‭ ‬عزاء‭ ‬للموهوبين‭ ‬بحق‭ ‬والمجتهدين‭ ‬بصدق‭ ‬والمفكرين‭ ‬بعمق،‭ ‬فالتفاهة‭ ‬تكسب‭.‬


 

;