..لا أحد ضد الفكر الإسلامي كأحد فروع المعرفة المهمة، ولكني ضد قيام أي حزب سياسي على مرجعية دينية، دفاعًا عن الدين ليس إلا، فهل يستوي الماء الطهور والزيت اللزج، فلا أحد ينسى أنه في الوقت الذي يجابه فيه العالم الأصوليات الدينية لديه فوجئنا في مصر بعد ثورة يناير 2011، بقيام 11 حزبًا سياسيًا ذات مرجعية دينية إسلامية، ازدادت شوكتهم بعد فوز جماعة الإخوان الإرهابية في مصر ومن قبلها أختها "حركة النهضة" في تونس بالانتخابات في كلا البلدين، وهي أحزاب: "النور" السلفي، البناء والتنمية الذراع السياسي للجماعة الإسلامية، الوطن السلفي، الوسط، الفضيلة، الأصالة، الحضارة، مصر القوية، العمل الجديد، الإصلاح، والفتح"، مع ظهور جماعات مسلحة، كلها ارتبطوا ارتباطًا وثيقا منذ نشأتهم وحتى الآن بفكر أكبر إرهابي عرفته البشرية وهو حسن البنا الذي وضع المبدأ العام للجماعة حين قال مخاطبًا فيهم: "لا تحيا الدعوة إلا بالجهاد وليس في الدنيا جهاد بلا تضحية، ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم" من مذكرات الدعوة والداعية.
وجماعات الإسلام السياسي ترى نفسها مثلها مثل الإخوان جزء من الدين وأوصياء عليه، وبطبيعة الحال يرون أنفسهم أعلى من باقي المسلمين؛ فعندما قبض رجل يوليو القوي عبد الناصر على بعض الإخوان سنة 1954، فيما عُرفت بأزمة مارس خطب عبد القادر عودة في المتظاهرين قائلًا: "الإسلام سجين"، وهو انحراف واضح في الفكر يعصف بالمجتمع، أو بأدق هي "الأصولية العمياء" التي تنتهي بصاحبها إلى التطرف وبالتالي الإرهاب.
التساؤل الذي يخطر لنا هنا هو: من هم الطليعة المرجوة المرتقبة التي تكلم عنها سيد قطب في كتابه معالم في الطريق ثم الإرهابي البلتاجي يجهر بها بعد خمسة عقود؟!، هم أفراد من التنظيم الخاص دعاهم الى الموت المجاني بزعم أنه ينتظرهم أجمل النساء في الجنة تعويضًا لهم عن الشهادة في سبيل الله؛ فخططوا وقتها لنسف القناطر الخيرية؛ لتغرق الأرض بما عليها من حقول وطرق ومنازل وآدميين وماشية، كل هذا ليختل نظام الزراعة وتسود المجاعة، وهو تفكير شاذ وإجرامي بلا شك، لأن القناطر الخيرية هي مفتاح تنظيم المياه وتوزيعها إلى الوجه البحري كله، ويعيش فوق هذه القناطر جيش من المهندسين والعمال، لا وظيفة لهم إلا أن يقيسوا ارتفاع منسوب المياه بالشعرة، وفتح البوابات بالمليمتر، ومعني نسفهم – وقتها – للقناطر الخيرية أن تنطلق المياه كالوحش تغمر الأرض والبيوت والطرق والمصانع ولا يقف أمام طوفانها أحد، ولا تحدها سدود بعد أن غرقت، فتعلو المياه على الجسور وتحطم الكباري، وتغرق في ثلاث ساعات ثلاثة ملايين فدان من أجود الأراضي في الوجه البحري.
تساؤل آخر يخطر لنا: ونحن نعيش حالة الكآبة والحزن التي سببتها الحرب الهمجية التي يشنها الاحتلال على غزة، واستشهاد عشرات الآلاف من الضحايا ومثلهم مصابين، الحرب التي يدفع ثمنها المدنيون باستهدافهم في الشوارع والمستشفيات بمزيد من المجازر وحرمانهم من ديارهم ووأدهم في وطنهم، اسأل وأقول؛ أين ذهبت جيوش وفيالق الجماعات التكفيرية؟!، أين ذهب شيوخ فتاوى "الجهاد" في العراق وسوريا؟! أين اختفت تلك الجيوش والفيالق والسرايا أمثال، القاعدة، داعش، جند الله، جيش محمد، وسرايا القدس، وغيرها من المسميات التي تخدع السذج والبلهاء، وكأننا أمام أزمة في الإسلام، والدين براء منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
فأي إسلام هذا الذي يقدمونه لنا في صورة غزوات وهمية وقتل وتعذيب، تذكرنا بالحروب المقدسة في اليهودية التي كانت تهدف إلى السيطرة على كل كائن حي، وفي سبيل هذا المعتقد المريض قتلوا النساء والرجال والأطفال، حتى الحيوانات لم تسلم منهم، وسعوا إلى إحراق الممتلكات العامة والخاصة ما عدا المعادن النفيسة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد، وهددوا من لا يفعل هذا من عصابات اليهود بعقوبات سماوية سوف تنتظرهم في حياتهم الدنيا، والجحيم هو مصيرهم في الآخرة، ومثلما كانت هذه الحروب باسم الآلهة هي السائدة في العصور القديمة والوسطي؛ حاولت الجماعة الإرهابية إشعال مثل هذه الحروب بأكذوبة عودة الخلافة الإسلامية؛ فهذه الحركة الفاشية التي أنشأها حسن البنا ما بين ظرفين تاريخيين أي ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ لم يكن ليهدف سوى لشيء واحد وهو إحياء الخلافة المزعومة التي انتهت عام 1924 رسميًا بإزاحة الخليفة العثماني السلطان عبد الحميد الثاني ونفيه هو وجميع أفراد أسرته إلى خارج البلاد وذلك على يد قائد الحركة التركية الوطنية في أعقاب الحرب العالمية الأولى مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا العلمانية الحديثة.
شعار "الإسلام هو الحل"، رغم أنه يبدو عفويًا من ظاهره ولا يسيئ لأحد، لكن في الواقع ومنذ أن اتخذته "الإرهابية" وكل الجماعات الأصولية الظلامية شعارًا لها، بهدف أن تظل حركة التاريخ مضطربة لا تخلو من الصراعات والانقسامات الجنونية، وكأنهم أرادوا أن ينهوا عالمًا تحكمه المعرفة والعلم ليحل محله تاريخ القبيلة وسيطرة الفكر الوهابي الذي كان سائدًا في القرن الثامن عشر ولا يعرف عن الحضارة الإسلامية إلا جلد الزاني والزانية وقطع يد السارق والرجم حتي الموت وزواج البنات في سن التاسعة، فهذه هي رؤية كل التيارات الدينية على اختلاف مشاربها لا يدركون حركة التاريخ السريعة وتوقفوا عند فكر ابن تيمية التكفيري الذي بات خطره بعد موته أكثر تأثيرًا مما هو حي.