بداية

أين اختفوا؟!

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

‭..‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ضد‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬كأحد‭ ‬فروع‭ ‬المعرفة‭ ‬المهمة،‭ ‬ولكني‭ ‬ضد‭ ‬قيام‭ ‬أي‭ ‬حزب‭ ‬سياسي‭ ‬على‭ ‬مرجعية‭ ‬دينية،‭ ‬دفاعًا‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬ليس‭ ‬إلا،‭ ‬فهل‭ ‬يستوي‭ ‬الماء‭ ‬الطهور‭ ‬والزيت‭ ‬اللزج،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬ينسى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يجابه‭ ‬فيه‭ ‬العالم‭ ‬الأصوليات‭ ‬الدينية‭ ‬لديه‭ ‬فوجئنا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬يناير‭ ‬2011،‭ ‬بقيام‭ ‬11‭ ‬حزبًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬ذات‭ ‬مرجعية‭ ‬دينية‭ ‬إسلامية،‭ ‬ازدادت‭ ‬شوكتهم‭ ‬بعد‭ ‬فوز‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ومن‭ ‬قبلها‭ ‬أختها‭ ‬‭"‬حركة‭ ‬النهضة‭" ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بالانتخابات‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬البلدين،‭ ‬وهي‭ ‬أحزاب‭: "‬النور‭" ‬السلفي،‭ ‬البناء‭ ‬والتنمية‭ ‬الذراع‭ ‬السياسي‭ ‬للجماعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬الوطن‭ ‬السلفي،‭ ‬الوسط،‭ ‬الفضيلة،‭ ‬الأصالة،‭ ‬الحضارة،‭ ‬مصر‭ ‬القوية،‭ ‬العمل‭ ‬الجديد،‭ ‬الإصلاح،‭ ‬والفتح‭"‬،‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬جماعات‭ ‬مسلحة،‭ ‬كلها‭ ‬ارتبطوا‭ ‬ارتباطًا‭ ‬وثيقا‭ ‬منذ‭ ‬نشأتهم‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬بفكر‭ ‬أكبر‭ ‬إرهابي‭ ‬عرفته‭ ‬البشرية‭ ‬وهو‭ ‬حسن‭ ‬البنا‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬المبدأ‭ ‬العام‭ ‬للجماعة‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬مخاطبًا‭ ‬فيهم‭: "‬لا‭ ‬تحيا‭ ‬الدعوة‭ ‬إلا‭ ‬بالجهاد‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬جهاد‭ ‬بلا‭ ‬تضحية،‭ ‬ومن‭ ‬قعد‭ ‬عن‭ ‬التضحية‭ ‬معنا‭ ‬فهو‭ ‬آثم‭" ‬من‭ ‬مذكرات‭ ‬الدعوة‭ ‬والداعية‭.‬

وجماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬ترى‭ ‬نفسها‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬الإخوان‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬وأوصياء‭ ‬عليه،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬يرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬باقي‭ ‬المسلمين؛‭ ‬فعندما‭ ‬قبض‭ ‬رجل‭ ‬يوليو‭ ‬القوي‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الإخوان‭ ‬سنة‭ ‬1954،‭ ‬فيما‭ ‬عُرفت‭ ‬بأزمة‭ ‬مارس‭ ‬خطب‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬عودة‭ ‬في‭ ‬المتظاهرين‭ ‬قائلًا‭: ‬‭"‬الإسلام‭ ‬سجين‭"‬،‭ ‬وهو‭ ‬انحراف‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬يعصف‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬أو‭ ‬بأدق‭ ‬هي‭ "‬الأصولية‭ ‬العمياء‭" ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬بصاحبها‭ ‬إلى‭ ‬التطرف‭ ‬وبالتالي‭ ‬الإرهاب‭.‬

التساؤل‭ ‬الذي‭ ‬يخطر‭ ‬لنا‭ ‬هنا‭ ‬هو‭: ‬من‭ ‬هم‭ ‬الطليعة‭ ‬المرجوة‭ ‬المرتقبة‭ ‬التي‭ ‬تكلم‭ ‬عنها‭ ‬سيد‭ ‬قطب‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬معالم‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬ثم‭ ‬الإرهابي‭ ‬البلتاجي‭ ‬يجهر‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬عقود؟‭!‬،‭ ‬هم‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭ ‬الخاص‭ ‬دعاهم‭ ‬الى‭ ‬الموت‭ ‬المجاني‭ ‬بزعم‭ ‬أنه‭ ‬ينتظرهم‭ ‬أجمل‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬الجنة‭ ‬تعويضًا‭ ‬لهم‭ ‬عن‭ ‬الشهادة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله؛‭ ‬فخططوا‭ ‬وقتها‭ ‬لنسف‭ ‬القناطر‭ ‬الخيرية؛‭ ‬لتغرق‭ ‬الأرض‭ ‬بما‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬حقول‭ ‬وطرق‭ ‬ومنازل‭ ‬وآدميين‭ ‬وماشية،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬ليختل‭ ‬نظام‭ ‬الزراعة‭ ‬وتسود‭ ‬المجاعة،‭ ‬وهو‭ ‬تفكير‭ ‬شاذ‭ ‬وإجرامي‭ ‬بلا‭ ‬شك،‭ ‬لأن‭ ‬القناطر‭ ‬الخيرية‭ ‬هي‭ ‬مفتاح‭ ‬تنظيم‭ ‬المياه‭ ‬وتوزيعها‭ ‬إلى‭ ‬الوجه‭ ‬البحري‭ ‬كله،‭ ‬ويعيش‭ ‬فوق‭ ‬هذه‭ ‬القناطر‭ ‬جيش‭ ‬من‭ ‬المهندسين‭ ‬والعمال،‭ ‬لا‭ ‬وظيفة‭ ‬لهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يقيسوا‭ ‬ارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬المياه‭ ‬بالشعرة،‭ ‬وفتح‭ ‬البوابات‭ ‬بالمليمتر،‭ ‬ومعني‭ ‬نسفهم‭ ‬–‭ ‬وقتها‭ ‬–‭ ‬للقناطر‭ ‬الخيرية‭ ‬أن‭ ‬تنطلق‭ ‬المياه‭ ‬كالوحش‭ ‬تغمر‭ ‬الأرض‭ ‬والبيوت‭ ‬والطرق‭ ‬والمصانع‭ ‬ولا‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬طوفانها‭ ‬أحد،‭ ‬ولا‭ ‬تحدها‭ ‬سدود‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غرقت،‭ ‬فتعلو‭ ‬المياه‭ ‬على‭ ‬الجسور‭ ‬وتحطم‭ ‬الكباري،‭ ‬وتغرق‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬فدان‭ ‬من‭ ‬أجود‭ ‬الأراضي‭ ‬في‭ ‬الوجه‭ ‬البحري‭.‬

تساؤل‭ ‬آخر‭ ‬يخطر‭ ‬لنا‭: ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬حالة‭ ‬الكآبة‭ ‬والحزن‭ ‬التي‭ ‬سببتها‭ ‬الحرب‭ ‬الهمجية‭ ‬التي‭ ‬يشنها‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬واستشهاد‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬ومثلهم‭ ‬مصابين،‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬يدفع‭ ‬ثمنها‭ ‬المدنيون‭ ‬باستهدافهم‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬والمستشفيات‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬المجازر‭ ‬وحرمانهم‭ ‬من‭ ‬ديارهم‭ ‬ووأدهم‭ ‬في‭ ‬وطنهم،‭ ‬اسأل‭ ‬وأقول؛‭ ‬أين‭ ‬ذهبت‭ ‬جيوش‭ ‬وفيالق‭ ‬الجماعات‭ ‬التكفيرية؟‭!‬،‭ ‬أين‭ ‬ذهب‭ ‬شيوخ‭ ‬فتاوى‭ "‬الجهاد‭" ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا؟‭! ‬أين‭ ‬اختفت‭ ‬تلك‭ ‬الجيوش‭ ‬والفيالق‭ ‬والسرايا‭ ‬أمثال،‭ ‬‏القاعدة،‭ ‬داعش،‭ ‬جند‭ ‬الله،‭ ‬جيش‭ ‬محمد،‭ ‬وسرايا‭ ‬القدس،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المسميات‭ ‬التي‭ ‬تخدع‭ ‬السذج‭ ‬والبلهاء،‭ ‬وكأننا‭ ‬أمام‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬والدين‭ ‬براء‭ ‬منهم‭ ‬براءة‭ ‬الذئب‭ ‬من‭ ‬دم‭ ‬ابن‭ ‬يعقوب‭.‬

فأي‭ ‬إسلام‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يقدمونه‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬غزوات‭ ‬وهمية‭ ‬وقتل‭ ‬وتعذيب،‭ ‬تذكرنا‭ ‬بالحروب‭ ‬المقدسة‭ ‬في‭ ‬اليهودية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬كائن‭ ‬حي،‭ ‬وفي‭ ‬سبيل‭ ‬هذا‭ ‬المعتقد‭ ‬المريض‭ ‬قتلوا‭ ‬النساء‭ ‬والرجال‭ ‬والأطفال،‭ ‬حتى‭ ‬الحيوانات‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬منهم،‭ ‬وسعوا‭ ‬إلى‭ ‬إحراق‭ ‬الممتلكات‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬المعادن‭ ‬النفيسة‭ ‬مثل‭ ‬الذهب‭ ‬والفضة‭ ‬والنحاس‭ ‬والحديد،‭ ‬وهددوا‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يفعل‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬عصابات‭ ‬اليهود‭ ‬بعقوبات‭ ‬سماوية‭ ‬سوف‭ ‬تنتظرهم‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬الدنيا،‭ ‬والجحيم‭ ‬هو‭ ‬مصيرهم‭ ‬في‭ ‬الآخرة،‭ ‬ومثلما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬باسم‭ ‬الآلهة‭ ‬هي‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭ ‬والوسطي؛‭ ‬حاولت‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية‭ ‬إشعال‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬بأكذوبة‭ ‬عودة‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية؛‭ ‬فهذه‭ ‬الحركة‭ ‬الفاشية‭ ‬التي‭ ‬أنشأها‭ ‬حسن‭ ‬البنا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬ظرفين‭ ‬تاريخيين‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية؛‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليهدف‭ ‬سوى‭ ‬لشيء‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬إحياء‭ ‬الخلافة‭ ‬المزعومة‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬عام‭ ‬1924‭ ‬رسميًا‭ ‬بإزاحة‭ ‬الخليفة‭ ‬العثماني‭ ‬السلطان‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬الثاني‭ ‬ونفيه‭ ‬هو‭ ‬وجميع‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬قائد‭ ‬الحركة‭ ‬التركية‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬مصطفى‭ ‬كمال‭ ‬أتاتورك،‭ ‬مؤسس‭ ‬تركيا‭ ‬العلمانية‭ ‬الحديثة‭.‬

شعار‭ "‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬الحل‭"‬،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يبدو‭ ‬عفويًا‭ ‬من‭ ‬ظاهره‭ ‬ولا‭ ‬يسيئ‭ ‬لأحد،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬اتخذته‭ "‬الإرهابية‭" ‬وكل‭ ‬الجماعات‭ ‬الأصولية‭ ‬الظلامية‭ ‬شعارًا‭ ‬لها،‭ ‬بهدف‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬حركة‭ ‬التاريخ‭ ‬مضطربة‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬والانقسامات‭ ‬الجنونية،‭ ‬وكأنهم‭ ‬أرادوا‭ ‬أن‭ ‬ينهوا‭ ‬عالمًا‭ ‬تحكمه‭ ‬المعرفة‭ ‬والعلم‭ ‬ليحل‭ ‬محله‭ ‬تاريخ‭ ‬القبيلة‭ ‬وسيطرة‭ ‬الفكر‭ ‬الوهابي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سائدًا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬عن‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬إلا‭ ‬جلد‭ ‬الزاني‭ ‬والزانية‭ ‬وقطع‭ ‬يد‭ ‬السارق‭ ‬والرجم‭ ‬حتي‭ ‬الموت‭ ‬وزواج‭ ‬البنات‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬التاسعة،‭ ‬فهذه‭ ‬هي‭ ‬رؤية‭ ‬كل‭ ‬التيارات‭ ‬الدينية‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مشاربها‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬حركة‭ ‬التاريخ‭ ‬السريعة‭ ‬وتوقفوا‭ ‬عند‭ ‬فكر‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭ ‬التكفيري‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬خطره‭ ‬بعد‭ ‬موته‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬حي‭.‬


 

;