طعم الحرية

في مديح الفنان الشهيد

أسامة عبد اللطيف
أسامة عبد اللطيف

بينما‭ ‬تعايشنا‭ ‬مع‭ ‬الموت‭ ‬طوال‭ ‬شهرين‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬النازية‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬جاء‭ ‬خبر‭ ‬وفاة‭ ‬الفنان‭ ‬الراحل‭ ‬أشرف‭ ‬عبد‭ ‬الغفور‭ ‬صادما‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬الوفاة‭ ‬جاءت‭ ‬نتيجة‭ ‬حادث‭ ‬سيارة‭.. ‬وأنا‭ ‬أعرف‭ ‬حجم‭ ‬المرارة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعيشها‭ ‬الراحل‭ ‬بسبب‭ ‬المجزرة‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬قتلة‭ ‬الأنبياء‭ ‬وأسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬رزقه‭ ‬الشهادة‭ ‬جزاء‭ ‬حبه‭ ‬لفلسطين‭ ‬ولدينه‭ ‬وعروبته‭.. ‬نعم‭ ‬أشرف‭ ‬عبد‭ ‬الغفورإن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬شهيد‭ ‬فقد‭ ‬اعتبر‭ ‬كثيرمن‭ ‬الفقهاء‭ ‬المحدثين‭ ‬أن‭ ‬المتوفى‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬سيارة‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬صاحب‭ ‬الهدم‭ ‬الذي‭ ‬عده‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي‭ ‬من‭ ‬الشهداء‭.‬

يقولون‭ ‬إن‭ ‬لكل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬اسمه‭ ‬نصيب‭ ‬فأرجو‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬الشرف‭ ‬والمغفرة‭..‬

قابلته‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬مرات‭ ‬عديدة‭ ‬معظمها‭ ‬في‭ ‬بروفات‭ ‬مسرحيات‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬عروض‭ ‬مسرحية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬نقابة‭ ‬الممثلين‭ ‬وأدخلني‭ ‬بيته‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬خاصة‭.. ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬معرفتي‭ ‬الممتدة‭ ‬به‭ ‬لم‭ ‬أره‭ ‬منفعلا‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬حجم‭ ‬الضغط‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬يواجهه‭ ‬كإنسان‭ ‬أو‭ ‬كفنان‭ ‬أثناء‭ ‬عمله‭.. ‬كان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التصالح‭ ‬والرضا‭ ‬والقناعة‭ ‬والتواضع‭.. ‬رضا‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يقل‭ ‬أبدا‭ ‬موهبة‭ ‬ولا‭ ‬ثقافة‭ ‬عن‭ ‬نجوم‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬ينل‭ ‬أجرهم‭ ‬أو‭ ‬يصبح‭ ‬النجم‭ ‬الأول‭ ‬وهو‭ ‬يستحق‭ ‬لو‭ ‬يعلمون‭.. ‬وتواضع‭ ‬لأن‭ ‬حجم‭ ‬النجومية‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬حققه‭ ‬لم‭ ‬يزده‭ ‬إلا‭ ‬بساطة‭ ‬وتواضعا‭.‬

أذكر‭ ‬موقفين‭ ‬جمعاني‭ ‬بالراحل‭.. ‬الأول‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أغطي‭ ‬انتخابات‭ ‬نقابة‭ ‬الممثلين‭ ‬وكان‭ ‬الراحل‭ ‬يوسف‭ ‬شعبان‭ ‬وقتها‭ ‬نقيبا‭.. ‬ولاحظت‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعلق‭ ‬لافتة‭ ‬واحدة‭  ‬تدعو‭ ‬لانتخابه‭ ‬ولا‭ ‬يحمل‭ ‬أية‭ ‬دعاية‭ ‬مكتفيا‭ ‬بحضوره‭.. ‬ولما‭ ‬تعجبت‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬أنا‭ ‬أدخل‭ ‬الانتخابات‭ ‬لخدمة‭ ‬زملائي‭ ‬فإن‭ ‬أعطوني‭ ‬ثقتهم‭ ‬كان‭ ‬بها‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يفعلوا‭ ‬فقد‭ ‬أراحوني‭ ‬من‭ ‬عبء‭ ‬ومسؤولية‭.. ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬زملاءه‭ ‬لم‭ ‬يخذلوه‭ ‬أبدا‭.. ‬فقد‭ ‬أدركوا‭ ‬أن‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬نقابة‭ ‬الممثلين‭ ‬شرفا‭ ‬لهم‭ ‬وضمانا‭ ‬لأن‭ ‬يضم‭ ‬المجلس‭ ‬رجل‭ ‬متجرد‭ ‬يدافع‭ ‬عنهم‭ ‬وعن‭ ‬مصالحهم‭ ‬يدرك‭ ‬حجم‭ ‬الأمانة‭.. ‬ولا‭ ‬يسعى‭ ‬لمنصب‭.‬

الموقف‭ ‬الثاني‭  ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬نقيبا‭ ‬للممثلين‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬حيث‭ ‬سعيت‭ ‬كصحفي‭ ‬لعمل‭ ‬لقاء‭ ‬يجمعه‭ ‬بمرشد‭ ‬الأخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬تنفرد‭ ‬به‭ ‬أخبار‭ ‬النجوم‭.. ‬كانت‭ ‬فكرتي‭ ‬طرحتها‭ ‬عليه‭ ‬فقبلها‭.. ‬وتمت‭ ‬المقابلة‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬عليه‭ ‬جدلا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬زملاء‭ ‬له‭ ‬كانوا‭ ‬يرون‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬أن‭ ‬يقابل‭ ‬المرشد‭.. ‬بالغ‭ ‬البعض‭ ‬وألقاه‭ ‬بالتهمة‭ ‬الجاهزة‭ ‬بأنه‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬أخوان‭ ‬مسلمين‭!! ‬السفهاء‭ ‬قالوا‭ ‬إنه‭ ‬يقدم‭ ‬مسلسلات‭ ‬دينية‭ ‬وأنه‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬متدين‭ ‬كأن‭ ‬التدين‭ ‬والدين‭ ‬صناعة‭ ‬أخوانية‭.. ‬ناسيين‭ ‬أن‭ ‬التدين‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬قبل‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬ولادة‭ ‬جد‭ ‬حسن‭ ‬البنا‭ ‬الأكبر‭!!‬

‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬قد‭ ‬أجريت‭ ‬وقتها‭..‬رافقت‭ ‬الراحل‭ ‬بسيارته‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬الجماعة‭ ‬بالمقطم‭.. ‬ووجدته‭ ‬نقيبا‭ ‬مشرفا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالحوار‭.. ‬يناقش‭ ‬المرشد‭ ‬بندية‭..‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬مهنته‭ ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬أن‭ ‬يمسها‭ ‬أحد‭.. ‬يرى‭ ‬الفن‭ ‬قوة‭ ‬مصر‭ ‬الناعمة‭.. ‬ويعترف‭ ‬أن‭ ‬الابتذال‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الفن‭.. ‬ويؤمن‭ ‬بأن‭ ‬فناني‭ ‬مصر‭ ‬يعلمون‭ ‬حقيقة‭ ‬دورهم‭ ‬وقيمة‭ ‬ما‭ ‬يقدمونه‭ ‬وأنهم‭ ‬حريصون‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬وأنهم‭ ‬لا‭ ‬يقبلون‭ ‬وصاية‭ ‬ويرفضون‭ ‬فكرالتحريم‭.. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يرفض‭ ‬الابتذال‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬أصحاب‭ ‬فكرة‭ ‬التحريم‭ ‬مادة‭ ‬يستدلون‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬رأيهم‭.. ‬بينما‭  ‬يؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الفنان‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬يرفض‭ ‬الابتذال‭ ‬باسم‭ ‬الفن‭.‬

رحم‭ ‬الله‭ ‬أشرف‭ ‬عبد‭ ‬الغفور‭ ‬وشفا‭ ‬زوجته‭ ‬وألهم‭ ‬ريهام‭ ‬عبد‭ ‬الغفور‭ ‬وشقيقها‭ ‬وشقيقتها‭ ‬الصبر‭ ‬الجميل‭.‬


 

;