بينما تعايشنا مع الموت طوال شهرين منذ الحرب النازية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة جاء خبر وفاة الفنان الراحل أشرف عبد الغفور صادما خصوصا وأن الوفاة جاءت نتيجة حادث سيارة.. وأنا أعرف حجم المرارة التي كان يعيشها الراحل بسبب المجزرة التي يرتكبها قتلة الأنبياء وأسأل الله أن يكون قد رزقه الشهادة جزاء حبه لفلسطين ولدينه وعروبته.. نعم أشرف عبد الغفورإن شاء الله شهيد فقد اعتبر كثيرمن الفقهاء المحدثين أن المتوفى في حادث سيارة في حكم صاحب الهدم الذي عده الحديث النبوي من الشهداء.
يقولون إن لكل واحد من اسمه نصيب فأرجو أن يجمع الله له الشرف والمغفرة..
قابلته رحمه الله مرات عديدة معظمها في بروفات مسرحيات أو في عروض مسرحية أو في نقابة الممثلين وأدخلني بيته في مناسبات خاصة.. طوال سنوات معرفتي الممتدة به لم أره منفعلا مهما كان حجم الضغط النفسي الذي يواجهه كإنسان أو كفنان أثناء عمله.. كان رحمه الله حالة من التصالح والرضا والقناعة والتواضع.. رضا لأنه لم يكن يقل أبدا موهبة ولا ثقافة عن نجوم الصف الأول وإن لم ينل أجرهم أو يصبح النجم الأول وهو يستحق لو يعلمون.. وتواضع لأن حجم النجومية الكبير الذي حققه لم يزده إلا بساطة وتواضعا.
أذكر موقفين جمعاني بالراحل.. الأول عندما كنت أغطي انتخابات نقابة الممثلين وكان الراحل يوسف شعبان وقتها نقيبا.. ولاحظت أنه لم يعلق لافتة واحدة تدعو لانتخابه ولا يحمل أية دعاية مكتفيا بحضوره.. ولما تعجبت قال لي أنا أدخل الانتخابات لخدمة زملائي فإن أعطوني ثقتهم كان بها وإن لم يفعلوا فقد أراحوني من عبء ومسؤولية.. والحقيقة أن زملاءه لم يخذلوه أبدا.. فقد أدركوا أن وجوده في مجلس نقابة الممثلين شرفا لهم وضمانا لأن يضم المجلس رجل متجرد يدافع عنهم وعن مصالحهم يدرك حجم الأمانة.. ولا يسعى لمنصب.
الموقف الثاني عندما كان نقيبا للممثلين عام 2011 حيث سعيت كصحفي لعمل لقاء يجمعه بمرشد الأخوان المسلمين تنفرد به أخبار النجوم.. كانت فكرتي طرحتها عليه فقبلها.. وتمت المقابلة التي فتحت عليه جدلا كبيرا من زملاء له كانوا يرون أنه لا يصح أن يقابل المرشد.. بالغ البعض وألقاه بالتهمة الجاهزة بأنه هو نفسه أخوان مسلمين!! السفهاء قالوا إنه يقدم مسلسلات دينية وأنه هو نفسه متدين كأن التدين والدين صناعة أخوانية.. ناسيين أن التدين في مصر قبل قرون من ولادة جد حسن البنا الأكبر!!
لم تكن انتخابات الرئاسة قد أجريت وقتها..رافقت الراحل بسيارته إلى مقر الجماعة بالمقطم.. ووجدته نقيبا مشرفا يؤمن بالحوار.. يناقش المرشد بندية..يدافع عن مهنته ولا يقبل أن يمسها أحد.. يرى الفن قوة مصر الناعمة.. ويعترف أن الابتذال ليس من الفن.. ويؤمن بأن فناني مصر يعلمون حقيقة دورهم وقيمة ما يقدمونه وأنهم حريصون على المجتمع وأنهم لا يقبلون وصاية ويرفضون فكرالتحريم.. وفي الوقت نفسه يرفض الابتذال الذي يعطي أصحاب فكرة التحريم مادة يستدلون بها على رأيهم.. بينما يؤمن بأن الفنان الحقيقي هو نفسه يرفض الابتذال باسم الفن.
رحم الله أشرف عبد الغفور وشفا زوجته وألهم ريهام عبد الغفور وشقيقها وشقيقتها الصبر الجميل.