نهار

لعبة الشهيد!!

عبلة الروينى
عبلة الروينى

لو أن «هوميروس» كان يعيش فى عصرنا  الحالي.. لأكتفى بكتابة «الأوديسا» ولم يكتب «الإلياذة».. لأن الأوديسا رحلة ملحمية خيالية، تصور مغامرات أوديسيوس فى رحلة العودة إلى الوطن، بينما الإلياذة ملحمة واقعية، تسرد وقائع وأحداث حرب طروادة التاريخية..

هذا ما قاله محمود درويش، ليشير إلى تحديات الكتابة فى عصر الصورة، وتحديات الكتابة فى الواقع الذى نعيشه.. يتجاوز خيال الشعراء!!.. وعندما كتب محمود درويش قصيدة «محمد الدرة»..

طفل غزة الشهيد (٧ سنوات) اغتالته رصاصات الصهاينة، وهو يختبئ فى حضن أبيه!!.. موت علنى مفجع، سجلته كاميرات التليفزيون بالصوت والصورة، وتداوله العالم!!..

لم يذكر درويش فى قصيدته الموت.. لم يصور الرصاصة، تخترق قلب الصغير، ولا رعب الطفل ولا صرخات الأب المكلوم.. كان المشهد العلنى أوضح من تفسيره.. وكانت اللحظة أبعد من تسجيلها، والواقع أقسى من التعبير عنه.

استشهد محمد الدرة، ابن غزة الصبى فى ٣٠ سبتمبر ٢٠٠٠.. وبين الموت والموت يلعب أطفال غزة «لعبة الشهيد».. يحملون نعشا، يتمدد فوقه طفل منهم، يتغطى بوشاح أبيض كالكفن، وهو يضحك (هكذا تداولت الصورة).. تلك ألعاب أطفال غزة وتلك ضحكاتهم أيضا.. وعندما يسألون عن الغد، بعد أن يكبروا، يرد أحدهم (نحن لا نكبر.. نحن نموت)!!

إبادة غزة التى (أكثر من ٢٠ ألف شهيد، نصفهم أطفال).. تجاوزت الشعر والأدب والصورة الفوتوغرافية والصورة التليفزيونية.. فقط موت متواصل، ليس بالإمكان التعبير عنه.