مواقف أمريكية متعارضة لخدمة إسرائيل.. وأهداف الحكومة المتطرفة تحـرق المنطقة

انتكاسة هدنة غزة تفتح الباب أمام تمدد الصراع بالشرق الأوسط

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: أحمد جمال

عاد الاحتلال الإسرائيلي لممارسة عدوانه الغاشم على قطاع غزة مطلع هذا الأسبوع بعد فشل تمديد الهدنة المؤقتة التى استمرت ثمانية أيام وانتهت بإطلاق سراح 70 محتجزاً إسرائيلياً مقابل 210 من الأسرى الفلسطينيين، إلى جانب 30 أجنبياً معظمهم تايلانديون يعملون فى دولة الاحتلال، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات عديدة قابلة لأن يصبح أى منها واقعاً فى المنطقة خلال الفترة المقبلة، ويمكن القول بأن أقربها هو تمدد الصراع ليكون بين أطراف عديدة حال أصرت إسرائيل على إطالة أمد عدوانها.

◄ اهتزاز صورة جيش الاحتلال يدفع نحو إطلاق يده لإبادة أهالي غزة

◄ المنافسة بين الجمهوريين والديمقراطيين في مصلحة  إسرائيل

■ قادة الاحتلال

وتشير التطورات الحاصلة قبل ساعات من انتكاسة الهدنة إلى أن حركة حماس كان لديها رغبة واضحة فى الإفراج عن مزيد من الإسرائيليين لديها فى مقابل تمديد الهدنة، إلى جانب قناعة عامة بأن ذلك يخدم أيضًا إسرائيل التى فشلت فى تحرير الأسرى بالقوة وكان من الممكن أن تخفف من وطأة الضغوطات الداخلية عليها جراء المطالب المستمرة فى الداخل بتحرير الرهائن، إلا أن تلاقى مجموعة من المصالح والأهداف دفع نحو الانخراط مجدداً فى القتال دون رؤية واضحة إلى أى مدى من الممكن أن تصل إليه الأوضاع فى غزة وبالمنطقة العربية بأسرها.

يمكن القول بأن أهداف الحكومة اليمينية المتطرفة تلاقت مع أهداف جنرالات جيش الاحتلال لأن الانخراط فى عمليات عسكرية طويلة يؤجل أى حل أو محاكمة للحكومة الحالية التى يرأسها اليمينى المتطرف بنيامين نيتاهو، كما أن صورة الجيش التى اهتزت بعد عملية «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر الماضى وعدم تحقيق أى انتصار يذكر خلال جولة الصراع الأولى التى انتهت بالوصول إلى اتفاق هدنة مؤقتة بعد 50 يوماً من القتال يجعل هناك رغبة فى البدء بجولة أخرى على أمل تحقيق ذلك وهو نفس هدف الولايات المتحدة الأميركية التى تشعر بالقلق جراء اهتزاز الصورة الذهنية لإسرائيل فى الشرق الأوسط بعد أن بدا جيشها ضعيفاً يسهل اختراقه، وكان يعنى استمرار الهدنة بعد أن أفرجت حماس عن النساء والأطفال أن الدور سوف يأتى على الجثامين الإسرائيلية لدى حركات المقاومة فى غزة وهى لمواطنين لقوا حتفهم فى الضربات الإسرائيلية على القطاع أثناء الجولة الأولى من الصراع، وبالتالى فإنه مع عودتهم إلى الأراضى المحتلة فإن التحليلات التى ستجرى لهم كانت ستكشف عن وفاتهم بسبب الضربات ما يعنى أن نتنياهو وحكومته قصروا بشأن حماية أرواح هؤلاء فى أثناء الضربات الهوجاء التى سقطت على القطاع، ما كان سيضاعف الغضب ضد حكومة نتنياهو.

◄ اقرأ أيضًا | الرئيس الفلسطيني: ضرورة التدخل الأمريكي للضغط على الاحتلال لوقف إطلاق النار بغزة

ويبدو من الواضح أن هناك أبعد من ذلك ترتبط بطبيعة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ومدى تأثير اللوبيات اليهودية على الانتخابات الرئاسية التى من المقرر أن تُجرى بعد أقل من عام، وهو ما يثير تنافساً بين الديمقراطيين والجمهوريين لنيل رضا إسرائيل فى وقت يبدو فيه الجمهوريون أكثر انفتاحاً على استمرار الحرب أطول فترة ممكنة وتحقيق أهداف إسرائيل من وجهة نظرهم، وأمام هذا التنافس مضى الديمقراطيون أيضا على هذا المنوال حتى وإن كان ذلك يهدد مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة، ولعل التناقض الواضح فى موقف أمريكا الآن هو يستهدف التخفيف من حدة تراجع شعبية الرئيس جو بايدن جراء دعمه جرائم الاحتلال فى غزة، وبالتالى ليس من المستبعد أن تخرج تصريحات تشى بأن الولايات المتحدة تحث إسرائيل على التهدئة ووقف استهداف المدنيين وفى المقابل تدعمه بكل قوة لتنفيذ أهدافها، ويظهر ذلك من خلال مشاركة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، مساء الخميس الماضي، أى قبل ساعات من قرار عدم تجديد الهدنة، فى اجتماع مجلس وزراء حرب الاحتلال، وعبر حضوره عن مدى التنسيق الواضح بين الطرفين، فى حين خرجت تصريحاته تشير إلى أن «موقف الإدارة الأمريكية بأن العملية البرية المتوقعة لجيش الاحتلال فى جنوب قطاع غزة، يجب أن تتم بطريقة لا تتسبب فى نزوح جماعى للسكان».

وأوضح مسئولون إسرائيليون أنهم «لن يقلصوا من التحركات البرية المتوقعة فى جنوب قطاع غزة، بما لا يؤدى إلى تهجير السكان». وأجمع «كابينيت الحرب» أن العملية البرية ستنفذ بالكامل وفقًا للضرورة الميدانية، وقال جالانت لبلينكن: «سنقاتل حماس حتى ننتصر، بغض النظر عن المدة التى يستغرقها ذلك. هذه حرب للقضاء على حماس، داعش غزة.. وهذه حرب لإعادة الرهائن إلى ديارهم، وسوف يستغرق الأمر وقتًا طويلا»، بحسب ما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية.

وعبرت مصر عن إدانتها البالغة لانهيار الهدنة وتجدد القصف العنيف والعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، واعتبرت الخارجية المصرية فى بيان لها انهيار الهدنة «انتكاسة خطيرة واستهانة من الجانب الإسرائيلى بكافة الجهود المبذولة التى سعت على مدار الأيام الماضية إلى تمديد الهدنة»، كما حذرت مصر من مغبة توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية فى جنوب قطاع غزة، ودعاوى المسئولين الإسرائيليين «المشجعة لتهجير الفلسطينيين خارج حدود غزة»، مؤكدة أن ذلك «انتهاك صارخ لالتزامات إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، ولكافة أحكام القانون الدولى الإنساني»، وجددت الخارجية المصرية التأكيد على موقف مصر «الراسخ والرافض للتهجير القسرى للفلسطينيين خارج حدود أرضهم»، مؤكدة أن ذلك «خط أحمر لن يتم السماح بتجاوزه».

وأكد الدكتور أحمد فؤاد أنور، أستاذ اللغة العربية بجامعة الإسكندرية، أن إسرائيل تحاول استثمار فترة الهدنة عبر الاستفادة من المعلومات التى حصلت عليها أو رشحت إليها من المحتجزات السيدات والأطفال الذين عادوا إلى إسرائيل وتحليل الصور التى وصلت إليها أثناء عملية التسليم فى شمال غزة وجنوب القطاع لمحاولة إعادة باقى المحتجزين بالقوة، وهو أمر لن يتحقق لها كما تحاول الإيهام بذلك لأنها على مدار تاريخها فشلت بامتياز فى تحرير أى رهائن.

وأشار إلى أنه لم يرق لنتنياهو ولا وزير دفاعه الصور والفيديوهات التى تم التقاطها أثناء الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين من جانب حماس، ولم يرق لهما الاحتفالات التى كانت حاشدة فى الضفة الغربية عندما تم إطلاق سراح الأسيرات والأطفال، وعبر ذلك عن هزيمة جديدة واجهها الاحتلال على الأراضى الفلسطينية، لافتاً إلى أن الموقف الأمريكى الحالى يتسم بالتخبط مع وجود تيارات مختلفة داخل الإدارة الحالية بعضها ينحاز لإسرائيل طوال الوقت حتى مع ارتكاب المجازر وفى مقابل تيار مقابل يرى بأن ذلك من شأنه أن يهدد المصالح الأمريكية بالمنطقة.

وشدد على أن ما يقوض اتساع نطاق الصراع حتى الآن، أن إيران مازالت تكبح حزب الله لعدم خوض معركة قوية مع إسرائيل ومن ثم يتحول الأمر لمعركة شاملة فى المنطقة بشكل أساس من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل ضد طهران، لكن هذه الجبهة قد يتم فتحها ولو عن طريق الخطأ بمعنى أنه يمكن تفسير التحركات العسكرية لحزب الله بصورة خاطئة، وهو ما يبدد أى تفاهمات جارية وغير مكتوبة لتوسيع الصراع.

وأشار اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات العامة سابقاً، إلى أن المشكلة الحالية فى غزة تكمن فى أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة ومعها قيادة الجيش يسعون لأن يعيدوا جزءًا من هيبة جيش الاحتلال الذى تمت إهانته فى السابع من أكتوبر، ويعد ذلك موضوعاً رئيسياً بالنسبة إليهم لأن إسرائيل هى بالأساس دولة داخل منظومة عسكرية وأمنية، وبالتالى فإن العمليات لن تتوقف إذا لم يحقق الاحتلال إنجازاً من وجهة نظره يقنع به الشعب الإسرائيلي، وفى الوقت ذاته فإن المستفيد الأكبر من ذلك الوضع هو نتياهو حتى لا تفكك حكومته الحالية وتبدأ عملية محاكمته، وأكد أن الحكومة الإسرائيلية تواجه ضغوطات من أطراف عديدة فى الداخل بينهم أهالى الأسرى والقتلى الذين بيد حركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة، لكن حينما يكون الهدف المعلن هو إعادة هيبة القوات المسلحة فإن ذلك يمنح حكومته فرصة لتصحيح بعض أخطائها بما يساعده على الخروج من هذا المأزق تحديداً، وأن القادة العسكريين والحكوميين الحاليين فى إسرائيل يدركون أن أفقهم السياسى انتهى وكل ما يسعون إليه هو إطالة أمد الصراع لتحقيق إنجاز تقديرى بالنسبة لهم.

وأكدت الدكتورة إيمان زهران، الباحثة فى الشئون الدولية، أنه لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه الحرب الدائرة حالياً فى غزة مع ضبابية المشهد الراهن فى ظل آلية إسرائيلية ممنهجة نحو «العقاب الجماعى» و«الإبادة الجماعية»، إذ إن «خيار الحرب» هو الأول بالنسبة لتل أبيب لاستعادة نظرية «الردع الاستراتيجية»، وفرض صيغة «المنتصر»، إذ إنها غير مقتنعة فى الأساس بسياسة الهدنة الإنسانية، لولا الضغوط الأمريكية والمصرية والقطرية لما قبلت بها، حيث كانت ترفضها كلياً، مضيفة أنه بالمقابل من المُرجح أن تُصبح المرحلة الثانية من الحرب على غزة أكثر عنفا وأطول زمنيا بالنظر إلى خريطة الاستهداف لجنوب القطاع المكتظ بالسكان والنازحين من مناطق مدينة غزة والشمال، على نحو ما يرسخ للأهداف الإسرائيلية الرامية لإعادة الهندسة الديموغرافية للقطاع، وتفريغ الأرض من الشعب، ومن ثم، إنهاء القضية الفلسطينية، وشددت على أن العدوان الحالى يتم بـ«ضوء أخضر» من جانب واشنطن ولكن ضمن رسائل ضمنية لا تتعارض مع الخطاب الإعلامى والسياسى الأمريكى الذى يتسم بالمهادنة والمرونة كمحاولة لامتصاص غضب الرأى العام الأمريكى فضلاً عن الانقسامات السياسية الداخلية ورفض التأييد الأمريكى لحكومة إسرائيل وذلك قبل الانتخابات الرئاسية فى 2024 وتراجع حظوظ الديموقراطيين، وبالمقابل، يأتى استئناف القتال محاولة من نتنياهو لإزاحة أزمات الداخل وصرف الأنظار عن استئناف الملاحقات القضائية، فضلا عن محاولة لاستعادة «الصف الشعبى» حول الهاجس الأبرز «الأمن الإسرائيلي».