محمد قناوي يكتب: "إن شاء الله ولد" في البحر الأحمر

محمد قناوي
محمد قناوي

المشهد الأخير في الفيلم الأدرني"إن شاء الله ولد" المشارك في المسابقة الدولية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي المنعقد حاليا بجدة، والجمهور يردد بداخله "يا رب ولد" يصف بصدق حالة التفاعل والتجاوب مع أحداث الفيلم لدرجة التعاطف الكبير مع "نوال" التي قمت دورها الممثلة مني حوا في مواجهة مجتمع ذكوري سواء من شقيقها والذي من المفترض أن يكون سندها أو شقيق الزوج الطامع في ميراث شقيقه المتوفي والمديون بأقساط علي سيارة نقل صغيرة، ليقدم الفيلم قصة كفاح امرأة تُضطر لمواجهة هذه الذكورية، في مجتمع يسلب النساء حقوقا لهن إذا لم ينجبن ذكراً ويناقش الفيلم قضايا تخص المجتمع العربي بأكمله مثل حق المرأة في الميراث، والوصاية على الأبناء، كما يعبر خطوطاً حمراء يحرّم المجتمع العربي النقاش فيها، كالحجاب والجنس خارج مؤسسة الزواج وغريزة الأمومة، وحق الإجهاض، وطلاق المسيحيين وقضايا أخرى لم نكن نتصورأن تطرح بشكل مباشر في فيلم عربي، فكان "إن شاء الله ولد" مفاجأة لمشاهدي المهرجان.

فيلم "إن شاء الله ولد"  للمخرج الأردني الشاب أمجد الرشيد الذي شارك في تأليفه مع منى ناصر ودلفين أوجت، اختاروا أسلوب مباشر في الطرح ليصل بسهولة للمشاهدين، يبدأ الفيلم بمحاولة" نوال"استعادة حمالة صدر سقطت من حبل الغسيل، وعلقت بسلك كهرباء في الشارع ،  تحاول "نوال" استعادة هذه القطعة من الملابس النسائية الحميمية، أو التخلص منها بإلقائها في الشارع دون أن يعرف الجيران أو المارة أنها تخصها، ويمكننا أن نقيس على ذلك أن كل ما يخص المرأة يدخل حيز العيب والحرام والممنوع، رغباتها عار يجب إخفاؤها، ملابسها يجب أن تكون فضفاضة، وحتى لا تتعقبها  عيون الرجال، تنظر إلى وجهها في مرآة الحمام المكسورة، فتبدو صورتها ناقصة كما يراها المجتمع. تدخل حجرة النوم مرهقة، تتزين في عجالة، وعلى السرير تداعب زوجها الذي لا يهتم، ويبدو بارداً بلا مشاعر، يدير ظهره متعللاً بالإرهاق، فتنام محبطة، وينتهي اليوم مع بداية صباح جديد، تبدأ أحداث الفيلم؛ تنشط الزوجة داخل البيت، تعد لابنتها ما تحتاجه لتذهب إلى المدرسة، تنادي الزوج فلا يجيبها، بهدوء نعرف أنه مات، لتبدأ المأساة .. أرملة تضطر إلى مواجهة قوانين قاسية، ستزيد من معاناتها بعد فقدان زوجها في مجتمع ذكوري لا يرحم، ويتآمر عليها الجميع لتجريدها من الجزء الأكبر من الميراث، فقط لأن زوجها الراحل لم ينجب ولدا ذكرا يخلفه.

ويفضح "إن شاء الله ولد"  الظلم الذي تتعرض له هؤلاء النساء في شخص الممثلة منى حوا التي تلعب دور نوال، الزوجة التي فقدت زوجها، حيث تواجه ترسانة من القوانين غير المنصفة، خاصة منها المتعلقة بالإرث، والتي تعطي للمقربين من الزوج المتوفى الاستفادة من الميراث، لأنه أنجب منها مولودا أنثى فقط ويمارس عليها العم شتى الضغوطات، بذريعة نيل حقوقه الشرعية في ميراث شقيقة المتوفي ، بدون مراعاة الظروف الاجتماعية الصعبة التي تهدد أرملة شقيقه وطفلته، وستجد نوال نفسها وحيدة في مواجهة هذه العاصفة خاصة بعد أن تحالف شقيقها المتواطئ مع العم ضدها بحجة عدم الرغبة في إثارة فضيحة في العائلة. وفي ظل الضغوط القوية، تدّعي نوال أنها حامل في محاولة لكسب الوقت ، وعنما تجبرها المحكمة عي اجراء اختبار حمل تذهب مكرهه لاجراؤه ولا تنتظر النتيجة لأنها لم تكن تعلم انها حامل في الحقيقة ، ليخبرها بعدها الشقيق المتواطئ  بنتيجة الحمل وان شقيق زوجها لن يستطيع التعرض لها  طوال التسعة شهور الحمل ليردد جمهور العرض" إن شاء الله ولد" ليتختتم مشهد النهاية بنجاح"نوال" في تحريك السيارة الـ"بيك أب" من مكانها وهي التي تعلمت قيادها في غفلة من الأسرة لتعلن تحررها من القيود التي فرضها عليها المجتمع .

ويكشف "إن شاء الله ولد"  أن التضييق على المرأة لا يقتصر على الطبقة العاملة التي تنتمي إليها" نوال" فقط، بل يمتد إلى الطبقة الثرية المتيسرة، كما أنه لا يقتصر على الأسر المسلمة، بل يمتد أيضاً إلى المسيحيين. ترعى "نوال" امرأة مسنة من أسرة ثرية مسيحية، ونرى مدى تضييق المجتمع الذكوري على المرأة في تلك الأسرة المسيحية الثرية، فابنة هذه الأسرة تحاول بكل ما في وسعها الحصول على الطلاق أو إجهاض حملها، لأن زوجها يداوم على خيانتها، لكن الكنيسة ترفض منحها ذلك الطلاق.
يبقي أن نعرف أن فيلم "إن شاء الله ولد" رُشّح لتمثيل الأردن رسميّاً في الدورة الـ96 لجوائز الأوسكار للتنافس عن فئة الأفلام الروائية الطويلة الدولية لعام 2024 وعُرض لأول مرة في أسبوع النقاد الثاني والستين لمهرجان كان السينمائي؛ وهي المرة الأولى التي يتنافس فيها فيلم أردني في هذا المهرجان المرموق وفاز بجائزة مؤسسة غان وجائزة “رايل دور” لأفضل فيلم روائي طويل، كما فاز بأربع جوائز أخرى.

اقرأ المزيد.. نجوم الفن يودعون أشرف عبد الغفور لـ مثواه الأخير