«رصاص لا يقتل».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور حارص النقيب

« رصاص لا يقتل» قصة قصيرة للكاتب الدكتور حارص عمار النقيب
« رصاص لا يقتل» قصة قصيرة للكاتب الدكتور حارص عمار النقيب

حصاد القمح والأجران والنوارج تجرها الأبقار لفصل الحبوب عن قش القمح وسنابله، ثم ننتظر هبوب الرياح الخفيفة لنثر ما تخلف عن النوارج في الفضاء فيذهب القش المهشم وتعود الغلال الثقيلة إلى موضعها، أيامًا طويلة وليالي قمرية جميلة ننام بجوار الأجران، حتى ننتهي من ذلك الموسم ونخزن الغلال في صوامع مصنوعة من الطين، نظل طول العام نأخذ منها لصناعة الخبز أو للمقايضة من الباعة من سكر وشاي وحلويات.

في وقت الحصاد وتخزين الغلال ينتشر الباعة الجائلون من باعة الحلوى، لباعة الملابس رخيصة الثمن سيئة الصناعة والألوان، وكذلك الحلاقون والفقراء والسقاؤون والعازفون على الربابة والمشردون، وظهر في الآونة الأخيرة نوع جديد من البشر وهم الدجالون والسحرة، حيث يحصلون على الغلال مقابل بضائعهم، أو صدقة نتقرب بها إلى الله.

ماذا تفعل يا بني؟

أحصل على بعض الغلال.

لماذا؟

لأني أريد شراء شيء هام من هذا الشيخ الجالس على قناة المياه.

ولكن هذا قدر كبير من الغلال، ماذا تريد أن تشتري؟

حجابًا.

وهل يستحق هذا الحجاب يا ولدي كل هذه الكيلة من الغلال؟

أجل؛ لأن الشيخ يقول "هذا الحجاب – ورقة مطوية عليها بعض آيات القرآن أو طلاسم وحروف مفردة – من يلبسه لن يصيبه رصاص البنادق، وإنه مقابل هذا الحجاب يريد إردبًا من الغلال".

إذن انتظر.

وانطلق والدي إلى الكوخ الذي نسكن فيه، وأحضر بندقية قديمة وأخفاها في طيات ملابسه، وحمل معي الغلال واتجهنا صوب هذا الشيخ الطويل النحيف الذي يجلس متكورًا على حاله ويتمتم بكلمات لا نفهم معناها، حتى وصلنا إليه وتحدث إليه والدي:

السلام عليكم يا شيخ، قلت لابني أن لديك حجابًا يحمي من يلبسه من طلقات الرصاص.

"نعم، لأنه به علم من الله، لا يعرفه إلا أنا"

قال ذلك الشيخ لوالدي وهو يرفع عينيه إلى السماء، ويقول نفس الكلمات غير المفهومة.

وهل أنت صادق في كلامك، وهل يستحق كل هذا القدر من الغلال؟

نعم.

إذا قبل أن نشتري لابد من التجربة، ارتدِ هذا الحجاب.

قام الشيخ بارتدائه، وفي نفس الوقت أخرج والدي البندقية من طيات ملابسه وصوب ناحيته، وقال له:

"إذا كان كلامك صادقًا سوف أُعطيك ضعف هذه الغلال، وإذا كان كاذبًا فإنك سوف تموت".

وفي هذه اللحظة تعرق الشيخ وزاد وجهه احمرارًا وازداد تكورًا على نفسه وأخذ في الصراخ والنحيب، وطلب المغفرة والرحمة، وإنه لن يعود لمثل هذا أبدًا، وتدخل المارة والجيران حتى يطلق والدي صراحه، وما إن أخلى سبيله حتى انطلق لا يظهر منه شيء جراء الغبار الذي أثاره بقدميه من الخوف والسرعة، حتى إنه سقط على الأرض عدة مرات.