حكايات| الرهائن الإسرائيلية بين تل أبيب وستوكهولم

صورة لإحدى المحتجزات المفرج عنهم
صورة لإحدى المحتجزات المفرج عنهم

علاقة الحب التي نشأت بين عبلة كامل وأشرف عبد الباقي في مسرحية الحادثة المجنونة، التي عرضت لأول مرة في عام 1993، لم تكن متوقعة حينها، فكيف لمخطوفة تقع في غرام خاطفها؟!، وجرت الأحداث الدرامية كما أراد لها المخرج وكتبها المؤلف ورغم حبكتها إلا أنها لم تدخل عقل بعض المشاهدين في ذلك الوقت -رغم أنها مسرحية كوميدية، فقد اعتبرها البعض أنها لا تمت للواقع بصلة-، ولكن وضعوا المسرحية على بوصلة المنطق فأبى قبولها لأن العقل الباطن يخيل دائمًا أن الخطف يولد الكره والعداء تجاه الخاطف، فمن أين يأتي الحب؟


واقعة بنك كريديت بانكن
«الحادثة المجنونة» كان توصيفًا ومثالا لمتلازمة ستوكهولم، التي أطلق عليها هذا الاسم نيلس بيجرو عالم الجريمة السويدي،  في تحليله لما فعله جان إيريك أولسون عندما تهجم على بنك "كريديت بانكن" أحد أكبر البنوك في العاصمة السويدية ستوكهولم، عام 1973، واتخذ 4 موظفين بالبنك رهائن، وطلب من الشرطة فدية قيمتها 700 ألف دولار وسيارة وإطلاق سراح صديقه من السجن لمساعدته.


قام أولسون وصديقه باحتجاز أربع من الرهائن طيلة 6 أيام داخل غرفة محصنة بالبنك، والغريب في الأمر أن المختطفين عندما نجحت الشرطة السويدية في تحريرهم من أيدي العصابة، رفضوا الشهادة ضد الخاطفين في المحكمة، والأدهى أنهم دافعوا عنهم من خلال جمع الأموال لهذا الغرض.


وفي عام 2023، وبعد مرور نحو 50 عامًا على واقعة ستوكهولم، أعاد مشهد تسلم الصليب الأحمر، الرهائن الإسرائيليين وحملة الجنسيات الأخرى، الذي كانوا في جعبة كتائب القسام وغيرها من فصائل الفلسطينية، منذ بدء عملية طوفان الأقصى في قطاع غزة لأذهاننا سياق الأحداث في المسرحية، فقد وثقت الكاميرات ضحكات وابتسامات الرهائن بل أنهم يودعون -عناصر المقاومة- بالسلام والأحضان وكلمات الوداع التي لا تقال إلا من الحبيب والصديق والقريب الذي يفارق عزيز عليه.


أشرحت ضحكات الرهائن قلوب المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، واعتبروا أن غزة ومقاومتها تواصل تقديم الدروس الأخلاقية في معاملة الأسرى للعالم، وفي الوقت نفسه قلبت الطاولة على الاحتلال الإسرائيلي في عيون العالم، لا سيما الشعوب والجهات غير الرسمية، الذين توقعوا أن تنتقم حماس أشد انتقام من الرهائن في حوزتها كرد على ممارسات إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني.


وقياسًا على متلازمة ستوكهولم، التي سبق الإشارة إليها، نجد أن ردود فعل الرهائن عند توجههم إلى سيارات الصليب الأحمر، كانت تلقائية ورد فعل طبيعي، وقد عزز هذا الشعور طيب المعاملة التي وجدوها في أنفاق غزة.

ما هي متلازمة ستوكهولم
يتم تعريفها على أنها استجابة نفسية يبدأ فيها الرهينة أو المخطوف أو الضحية بالتعاطف مع خاطفيه، وكذلك مع أجندتهم ومطالبهم.


يعتقد علماء النفس الذين درسوا المتلازمة أن الرابطة تنشأ في البداية عندما يهدد الخاطف حياة الرهينة ثم يختار عدم قتلها، ويتم تحول ارتياح الرهينة عند انتهاء التهديد بالقتل إلى مشاعر الامتنان تجاه الخاطف لمنحه حياته أو حياتها.

كما أثبتت حادثة السطو التي تعرض لها بنك كريديت بانكن وسبق الإشارة لها، أن الأمر لا يستغرق سوى بضعة أيام حتى يتم ترسيخ هذه العلاقة، مما يثبت أن رغبة الضحية في البقاء على قيد الحياة في وقت مبكر تفوق الرغبة في كره الشخص الذي خلق الموقف.


قد يتعرض الشخص لسوء المعاملة والتهديد الشديد من قبل الخاطف أو المعتدي، لكنه يعتمد عليهما أيضا للبقاء على قيد الحياة، فإذا كان المعتدي لطيفا فقد يتمسك بهذا كوسيلة من أجل البقاء.


تأثير متلازمة ستوكهولم على الصحة
هل متلازمة ستوكهولم تشخيص عقلي؟
وفقا لموقع ويب ميد، فإنه لم يتم إدراج متلازمة ستوكهولم كتشخيص رسمي للصحة العقلية في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية.
ووصف العالم السويدي، أن بعض الرهائن يحدث لهم ما يشبه غسيل دماغ، ويقتنع بأفكار خاطفيه ويصبح مؤيدا وداعما ومروجا لها، خلال أيام قليلة، ربما هذا ما حدث ما بعض الرهائن المفرج عنهم في غزة.


ما يدلل على هذا الرأي، أن دولة الاحتلال نفسها فشلت في استغلال رهائنها المفرج عنهم للترويج ضد فصائل المقاومة من خلال توجيه سهام النقد للمعاملة معهم، لأن يوشيفيد ليفشيتز، الرهينة الإسرائيلية التي تم الإفراج عنها في الـ 24 من أكتوبر الماضي، خسفت برواية بلادها الأرض، فقد ثمنت من معاملة حماس الجيدة معها.


وزاد الأمر، لدرجة، أن تل أبيب منعت الرهائن من الظهور إعلاميًا لأنهم يمتدحون خصمهم -فصائل المقاومة- لأنهم يدحضون نهج الدولة العبرية الذي ساروا عليه على مدار عقود، ويعتمد على تعليم أجيالهم المتعاقبة منذ نعومة أظافرهم أن العرب قتلة إرهابيين دمويين لو تمكنوا منهم لن يتركوهم أحياءً.


كما أن الرهينة المفرج عنها إلما أفراهام صاحبة الـ 84 عاما رفضت مقابلة نتنياهو، بحسب ما قاله يشاي بورات مراسل قناة 13 العبرية.

أسباب الإصابة بمتلازمة ستوكهولم؟
كشفت قاعدة بيانات مكتب التحقيقات الفدرالي « FBI»، في إحصائية تم إجراؤها على ما يزيد عن 4 آلاف من الرهائن، أن 73 % منهم لم يظهروا مؤشرات على متلازمة ستوكهولم.


بينما تم إرجاع الإصابة بالمتلازمة للعديد من الأسباب لعل منها، بقاء الرهينة مع الخاطف في مساحة مشتركة مع ظروف سيئة، إلى جانب الاعتماد على الخاطف لتلبية الاحتياجات الأساسية، وعدم تنفيذ التهديدات للحياة، مثل القيام بعمليات إعدام وهمية، وفي حالة ألا يسيء الخاطفون إلى الرهائن، ومعاملتهم بشكل عاطفي ولطيف ولين، وحرص الخاطف على التواصل مع الرهينة.


ووفقا للأسباب، التي تم تناولها في الفقرة السابقة، فإنه يمكن ملاحظة تحقيقها بالعين، فقد عاش الرهائن وعناصر المقاومة في ظروف لا يحسدون عليها في ظل تعرض قطاع غزة للقصف العشوائي ومحاولة الاحتلال قطع كل سبل الحياة عن الفلسطينيين.


ومن الأسباب الأخرى التي تحققت مع الرهائن، هي عدم تنفيذ أبو عبيدة تهديده في بداية الحرب، عندما قال عن المقاومة ستلجأ إلى ذبح الإسرائيليين في محاولة منه لإثناء تل أبيب عن التمادي في مخططها، وللحديث بقية في حكاية ثانية انتظروها على بوابة أخبار اليوم.