حكايات ومآسى من تحت أنقاض العقار المنهار ببورسعيد

العقار المنهار ببورسعيد
العقار المنهار ببورسعيد

بورسعيد:‭ ‬أيمن‭ ‬عبد‭ ‬الهادى

 في هذا اليوم هناك أمطار شديدة تسقط ورياح تكاد أن تقتلع أعمدة الإنارة والأشجار وصوت الرعد وضوء البرق يرعب الأهالي، الجميع يلتزم المنازل خوفًا من حالة الطقس غير المستقر، إلا أشخاص قليلون فرضت حاجتهم لـ لقمة العيش خروجهم للعمل في هذا اليوم، وإلى التفاصيل المأساوية التي شهدت أحداثها محافظة بورسعيد.

                   العقار المنهار

فوجئ أهالي حي الشرق بـ محافظة بورسعيد وتحديدا شارع السلطان حسين تقاطع بنما بجوار حديقة فريال التاريخية بصوت يشبه الانفجار، هرول الجميع تجاهه؛ ليجدوا منزلًا كاملًا لم يكن متواجدًا، تحول إلى حطام في لحظة، وقتها ظن الأهالي أن أسفل هذا الحطام يتواجد عشرات من السكان، وبدأ دوي الصرخات واللطمات يخيم على المنطقة، سيدات يسقطن على الأرض، وأخريات يقطعن الثياب، ورجال تسقط دموعهم ويضربون رؤوسهم، وكأنهم يتذكرون من كان من جيرانهم في هذا البيت، حتى وصل أحد السكان فوجئ الأهالي بوصوله ليلتفوا حوله: أنت عايش يا حاج محمود؟ طيب الحاجة كانت في البيت؛ ليكشف أن جميع السكان قد تركوا المنزل قبل ساعات، ولم يكن أحدا منهم هنا.

هدأت صرخات الأهالي للحظات قليلة؛ ليستمعوا إلى صوت يأتي من العقار المواجه للعقار المنهار لسيدة تنادي: «مات العمال الغلابة ارفعوا الحطام من فوق رؤوس الغلابة»، التفت الأهالي اليها؛ لتؤكد أن هناك عمالا كانوا داخل المنزل يعملون على إصلاح الشروخ، وأنهم لم يستطيعوا الهروب لحظة الانهيار، في هذه اللحظات كان هناك أعداد كبيرة من ضباط وجنود قوات الحماية المدنية يصلون إلى المكان، ومن خلفهم اللوادر وسيارات رفع الحطام.

لم تكن قد مرت دقائق معدودة حتى تحول محيط العقار المنهار إلى خلية نحل من رجال الشرطة والتنفيذيين حتى أن اللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد واللواء مازن صبري مدير الأمن لم يفارقا المكان حتى يطمئنا على انتشال الجثامين، بعد أن تبين للجميع أنهم قد لقوا مصرعهم، لأن البيت الذي يتكون من 4 أدوار قد تحول إلى حطام صغيرة لا يمكن أن يكون هناك شخص على قيد الحياة أسفله.

مأساة أسرة

                 الأب‭ ‬وأبناءه‭ ‬الضحايا

استمرت أعمال رفع الحطام حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، وظل الأهالي ينتظرون خلف الحواجز الحديدية، وهناك العشرات من رجال الحماية المدنية يبحثون وسط الحطام عن ضحايا العقار، حتى تمكنوا من انتشال كافة الجثامين، في مهمة كانت صعبة، وليلة كانت من أشد الليالي ألما على أبناء محافظة بورسعيد.

وكان قد وصل مصابان تصادف مرورهما أسفل المنزل المنهار وتبين أنهما: محمد عبد الحميد 40 سنة ومصاب بكسر بالساعد الأيمن، وسليمان حسبو السيد 40 سنة نزيف بالمخ، كما عثر على جثمان لشخص يدعى عيد حماد التوني شحاتة ويبلغ من العمر 26 عاما، وتم العثور على جثامين ياسين عبد الحميد ياسين، وعبد الحميد ياسين محمود، وعبد الرحمن عبد الحميد ياسين، وخرجت كل الجثامين عبارة عن أشلاء.

وعلمت «أخبار الحوادث»، أن هناك أبا وأولاده قد راحوا ضحايا للحادث الأليم؛ حيث سافر الأب عبدالحميد من محافظة سوهاج للعمل في بورسعيد بحثًا عن لقمة العيش تاركًا أطفاله الصغار بقريته مسقط رأسه بمركز المنشاة، وبدأ في العمل ليل نهار، حارمًا نفسه من كل متع الحياة، بل من كل شيء ضروري في حياته، حتى يوفر مصروفات أسرته الصغيرة التي تركها في الصعيد.

ومرت السنوات، حتى انتهى أبناؤه من دراستهما وتخرج ياسين صاحب الـ 21 عامًا من كلية التجارة قسم محاسبة، وعبد الرحمن 24 عامًا من كلية الحقوق، ويستمر الأب في الكفاح حتى يوفر حياة ومعيشة أفضل لأسرته، وهنا قرر الشابان الوقوف إلى جوار والدهما الذي أتعبته الحياة وأرهقته الظروف؛ فقرر عبد الرحمن وشقيقه ياسين السفر إلى محافظة بورسعيد للعمل ومساعدة والدهما في أعمال البناء، برغم رفض الأب لهذه الفكرة، مطالبًا إياهما بعدم الانخراط في مهنته والبحث عن وظيفه بمؤهلهما، إلا أنهما قررا العمل معه ومساعدته.

وبدأ الشقيقان عملهما في البناء لمساعدة والدهما، استمر الوضع لبضعة أشهر قليلة، حتى جاءت اللحظة التي لم تكن في حسبانهما، وجاء مساء يوم الأحد 19 نوفمبر 2023؛ حيث كان الأب وأبناؤه يعملون داخل أحد العقارات بنطاق حي شرق بورسعيد لترميمه؛ ليشعروا باهتزاز مفاجئ في المبنى وبدأ العقار في الانهيار، حاول الأب وأبناؤه الفرار والنجاة من الموت تحت أنقاض العقار، أسرعوا مهرولين في محاولة للهرب من الباب الخلفي للعقار، لكنهم فشلوا وانهار العقار على رؤوسهم، ولقوا مصرعهم جميعًا، وتم استخراج جثثهم الثلاثة من أسفل الأنقاض بعد مضي 8 ساعات من البحث المتواصل، وتم نقلهم إلى مسقط رأسهم، ودفنهم بمقابر أسرتهم وسط حالة من الحزن الشديدة.

معونات وتحقيقات

صدق اللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد على صرف إعانة قدرها 25 ألف جنيه لأسرة كل متوفٍ في حادث انهيار عقار حي الشرق، فضلا عن صرف 50 ألف جنيه من مديرية التضامن الاجتماعي لأسر المتوفين في الحادث؛ ليكون إجمالي الإعانة لكل أسرة 75 ألف جنيه، كما قرر التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي بـ محافظة بورسعيد دعم الأسر بـ 25 ألف جنيه.

وأجرت النيابة الإدارية ببورسعيد، معاينة لموقع العقار الكائن برقم 8 تقاطع شارع السلطان محمود وشارع بنما، بدائرة حي شرق بمحافظة بورسعيد، والذي انهار جزئيًا، مما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا والمصابين، وإتلاف بعض الممتلكات الخاصة، وشكل المستشار هشام أبو الوفا مدير النيابة الإدارية ببورسعيد القسم الأول، فريقا من أعضاء النيابة ضم المستشار حسن عبد المقصود، ومحمد مصطفى الديب رئيس النيابة، ومحمد علي أبو سمرة وكيل النيابة، وتكليفهم بالانتقال لموقع العقار وإجراء المعاينة، وبصحبتهم كلٍ من رئيس حي الشرق، ومدير كل من الإدارة الهندسية وإدارة التنظيم بالحي، وقوة أمنية من قسم شرطة الشرق ترأسها السيد العميد مأمور القسم.

تبين من المعاينة؛ أن العقار مكون من دور أرضي، وأربعة طوابق علوية خالية من السكان، ويقع بأسفله 6 محلات تجارية، وهو عقار قديم وغير مرخص، تم بناؤه قبل العمل بالقانون الحالي، وأن لجنة المنشآت الآيلة للسقوط قد أصدرت له قرارًا بالترميم قبل الحادث بيومين برقم 20 بتاريخ 17 / 11 /2023، وفي حوالي الساعة 6 مساء يوم أمس الأحد 19 / 11 / 2023، وحال الشروع في ترميم العقار؛ حدث انهيار جزئي لواجهة العقار بالكامل من الناحية الشرقية المطلة على شارع السلطان محمود، مما أسفر عن وفاة 4 من عمال الترميم، وإصابة 3 آخرين، ووقوع تلفيات بسيارة خاصة مملوكة لأحد المواطنين كانت متوقفة أسفل العقار.

استمع فريق النيابة لأقوال عددٍ من المواطنين من سكان العقارات المجاورة لمكان الحادث وشهود لواقعة الانهيار، كما جرى سؤال عدد من مسؤولي الإدارة المحلية المتواجدين بمكان الحادث، وتولت النيابة الإدارية ببورسعيد القسم الأول التحقيق؛ حيث قرر محمد مصطفى الديب رئيس النيابة طلب صورة رسمية من الملف الهندسي الخاص بالعقار من حي شرق، وتكليف السكرتير العام بتشكيل لجنة من الإدارات الفنية المختصة ولجنة من المنشآت الآيلة للسقوط لإجراء المعاينة الفنية وتحديد أسباب الانهيار، وما اتخذ بشأن العقار من إجراءات بمعرفة الإدارات المختصة، ومدى سلامة العقارات الملاصقة من الناحية الإنشائية، وجار استكمال التحقيقات.

 

اقرأ أيضا : بعد قليل.. نظر محاكمة المتهم بقتل شاب بمنطقة العمرانية

 

 

;